مركز “تكوين” وحقيقة الرهط الذين يفسدون ولا يصلحون… محمد بوقنطار

 

كثيرة هي الجبهات المفتوحة… وكثيرة هي الحروب التي يستهدف أصحابها المحاربون هذا الدين العظيم دون سائر الأديان والنحل والملل، ولو كان أهلها يعبدون البقر أو يسجدون للثور ويتقربون إليه بأكلهم البعر.

والأكيد أن أشرس هذه الحروب وأقساها وأخبثها هي تلك التي يُسل فيها سيف البغي والارتداد من غِمد الداخل، فترى الذين من قلوبهم مرض من بني الجلدة يسارعون في الشر، مسارعة لم يصل إلى مداها العدو البعيد الغريب، وتتحسس الذهن الحداثي المحلي والقلب منه يمتلأ غلا وحقدا على القرون المفضلة، فتنهمك الجارحة في جنوح شارد جاحد في هدم موروث التراث بضمير مهجوس بشكل مضمر ومعلن، حفي بعرقلة وإلغاء نفوذ السلطة الأخلاقية الدينية، وإقصائها لفائدة نفوذ سلطة القراءة المادية الغريزية المحضة، تلك القراءة التي ما فتئ أصحابها ينكرون ويجحدون أثر الدين ومعطى الإيمان ومدى قدرتهما كعاملان حاسمان في تحريك التاريخ، وقيادة الاستخلاف البشري على هذه الأرض حضاريا ثم مدنيا.

وإنك وأنت تقرأ أو تستمع لطرح نموذج من هذه العينة المارقة ليهجم عليك إحساس رهيب تتغشى خيبته الكثير من الأسئلة التي تتوارد على الذهن في عصف وتدافع وسباق محموم، فلا سابق منها ولا مسبوق وإنّما هي جرعة واحدة من الاستفهامات التي تبحث في ماهية هذا الكمّ من الحقد والمخزون من البغض والكراهية، ولازمهما من التحامل الذي بات يسكن أطلال هذه المادة البشرية المحلية التخلق المستغربة التعلق… ما السبب فيه يا ترى؟ وما الغاية منه؟ وما نوايا ودوافع المنخرطين في نوادي منكره؟ وما السر في التمكين لثلته الشاذة المتطرفة؟ وهل فعلا طرحُ أصحابه طرحٌ أصيل كما الزعم والدعوى، أم هو فكر صقيعي مستورد دخيل؟ وما الدوافع الكامنة وراء انتماء وانتساب هؤلاء في العلن لا السر إلى منظومة الغلو المعرفي الغربي الحائف؟ وهل اطردت عندهم قواعد النقد ومراد التجديد والتغيير والتأويل بخصوص باقي الملل والنحل التي تشكو صدقا من عوز شعائري وضلال عقائدي بات يعرفه الحيوان قبل الإنسان، وتعرفه غريزة البقرة قبل سوي الفطرة؟ أم ظل وسيظل الإسلام شرعا وشرعة ومنهاجا هو محضن هذا الرمي الحداثي الزائف والقذف العلماني الحائف.

قبل أيام قليلة خلت ضجت المنابر الإعلامية، ومواقع التواصل الاجتماعي بأضرابها وأنواعها وأصنافها ورموزها وألوانها، المسموع والمرئي منها، والإشاري المتحرك منه، والساكن سكون دخن، قد ضجت جميعا وأشتاتا بخبر تشكيل حلف، وإنشاء مركز أسموه “تكوين” في إلماحة إلى مهمته ولطالما كانت الأسماء قوالب معانيها، مركز يضم ستة أعضاء، وسابعهم كلبهم الإعلامي الباسط لسانه ويديه في وصيد الوحي، العابث في رصيد تركته المباركة، ولقد بدا منذ الوهلة الأولى من مرحلة التأسيس والاستهلال الأول لهذا المولود الخديج، وبالنظر إلى سيرة معشر المؤسسين أن جبهة في حلة قشيبة ذات طابع مؤسساتي قد تشكلت يبغي ويروم ناسها توحيد الجهود وتقنين آليات المواجهة وتقوية العضد الحداثي من أجل إعادة صياغة منظومة بث الشكوك، والرمي بشرر الشبه والشهوات لإحراق اليابس من بقايا ذلك الأخضر المحاصر المطارد في جفوة، ومن ثم تحويله إلى رميم ورماد لا حرارة فيه ولا حياة، يستوطن  وجدان وضمير المستضعفين من معشر المسلمين في وهن وانهزامية، يتم كل ذلك طبعا بين يدي مقصود حضاري مدني ينتصر أصحابه العقلانيون لفقه الوسط على حساب قمع ونسف منظومة فقه البادية كما يطيب لهم النبز.

إنهم ثلة تحكي تفاصيل ركزهم لعقدين من الزمن قد مضت أيامها النحسات ولا تزال الأنفاس منها تبتعث على بدء متكرر، أنهم ما تركوا باب شبهة ولا متشابه إلا واقتحموا عقبته وتسللوا لواذا وعلنا إلى حرمة المقدس منه، ثم طفقوا مستفهمين في وهم وبهتان، فلكم من قتيل للتطرف قد أحيوه، وكم من ضحية تيه وضلال سلفي قد هدوه وأنقذوه؟؟؟ فما أحسن أثرهم وفضل صنيعهم على المسلمين، وما أقبح وأفظع جحود الملتزمين لخيريتهم وعظيم فضلهم!.. وتلك لعبتهم وتباريحهم وذلك تباكيهم أينما حلّوا ضيوفا ثقال النوخ والمطايا، وأقاموا سرادق المكث لعزائهم ومستقبح نياحتهم، استدراجا لنواصي الناس واستذرارا لعطف جماهير المخدوعين في نواياهم وملتبس صنيعهم ومدخون طويتهم، ولن يستغرب المرء على حرص ونباهة ويقظة منه لختلهم ومتربص حيلهم وقد قال الله سبحانه وتعالى في جنسهم ونوعهم: “ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا” البقرة 217

ولا شك أن الناظر إلى مشاريعهم يعرف منذ البدء ودون هدر وقت تأمل وتفرس أو إضاعة طاقة تفكير وتحليل، أن معركة القوم ليست مع إرهاب ينسب للمسلمين، أو ضد جماعة تتبنى الجهاد وتدين لله بالعنف، وإنما هي حرب منهم على إسلام الوحي، إسلام العقائد والثوابت والأصول والمبادئ، ذلك الإسلام الرافض للهيمنة، المناهض للعلمنة، المقاوم للاستعمار السافر منه والمقنع المضمر المكائد وما أقسى قلمه من فوهة مدفعه، في مقابل الانتصار والمهادنة والتشجيع لإسلام الشعوذة والخرافة، إسلام الشطح والرقص، إسلام الفرق والطرق، أو إسلام الحداثة والعقلانية والعصرانية، الذي ينتصر ويقدم ويجعل من أولى أولوياته خدمة الإنسان مجردا عن أي صفة “الإيمان’ ومنسلخا عن أي هوية “الإسلام”، حيث تكون المركزية له أي الإنسان، وما دونه وغيره ففي مهب ريح التجديد والتغيير تذرو امتيازاته  في يوم عاصف.

إن دورهم القذر داخل مجتماعاتهم الإسلامية لا يفرق قيد أنملة عن دور الآلة الإعلامية الغربية ذات النواصي الفكرية والثقافية الكاذبة الخاطئة، ففي الوقت الذي يعمل فيه الإعلام الغربي على تسويد وإلحاق كل تهمة وجريمة ونقيصة سلوك بالجاليات المسلمة العاملة هنالك في جغرافيا الغرب، يعمل هؤلاء امتدادا ومحاكاة وعزفا على نفس الوتر الحساس، في التسويق لمفاهيم وصور فاحشة الغلط مستهدفين سيرة الملتزمين بعرى إسلام الوحي، بل على هذا الإسلام نفسه، حيث يروجون إلى أن الإسلام دين عنف وإرهاب، وأن المسلمين يعبدون إلها مختلفا، وأن هذا النوع من الإسلام هو ضد حرية الاعتقاد، ونصوصه ظالمة للمرأة، بل هو ضد الحرية والديموقراطية، يعادي السامية كما يعادي كل الملل والنحل، يدين أصحابه بالرجعية ويتحلّوْن في عدائهم للإنسانية بتمظهرات البربرية المقرفة وهلم جرا من التهم الجاهزة المفصلة حصرا وقصرا على إسلامنا العظيم دون سائر الأديان الكتابي منها والشركي البشري.

إن من أشرف المعارك الفكرية التي نراها اليوم أكثر نفعا وأوقع سمعا هي تلك التي تتصدى لهذا الإقعاد المحلي، فتنظر أولا في ما يقدمه من أطروحات واقتراحات، ثم تعمل على تشريح خطابه الصفق على مائدة الاختصاص الذي بلغ أهله من معشر الغيورين النصاب الأوفى من العلم الشرعي، وتحصلت لهم حسنة التزود الكفائي من العلوم الدنيوية، واستوعبوا خلال بحثهم الإطلالة المستفيضة على تجارب الآخر وسياساته في مواجهة ديننا وحضارتنا منذ القديم وإلى يوم الناس هذا، وخرجوا من جبة التفكير التقليدي الذي يجعل الجهد عاكفا على تقليب صفحات ثراتنا العظيم دون الانتقال به ومعه إلى مرحلة تحيين رصيده وقراءته على ضوء المصباح الفاضح لا السراج الخافت الأشعة، وربط سوالف الأحداث بجديدها، وسوابق الخداع بلواحق المخاتلة، وأوانف العدوان بحاضر البغي والطغيان، ثم الانكباب في سياق الوقوف على ماهية المصدر المشبوه الذي يغذي ويتغذى من رصيده هذا الفكر الحداثي المعاصر، على ما راكمته المدرسة الاستشراقية في هذا الخصوص من خرص ظنون ونخالة أفكار، فإن في هذا فضح وتعرية وكشف لحقيقة هؤلاء المحليين، وأنهم مجرد نقلة ولصوص نصوص استشراقية، ومقلِّدة، وشراح، ومستنسخين مجترين، إذاعيين لنشرات أولئك المستشرقين، لم تكن لهم حسنة إضافة ولا مزية تجديد كما يزعمون ويدعون في صلادة وجه وصفاقة سلوك، وانظر في هذا الخصوص إلى ما وقف عليه الباحث والشيخ المفكر القرآني الأسير إبراهيم بن عمر السكران في كتابه القيّم “التأويل الحداثي للتراث”، حيث كشف في استقراء منصف متجرد، وتتبع دقيق ومحايد مسؤول عن ملمح السرقة واللصوصية الفكرية في كل ما ركمه العلمانيون الحداثيون العقلانيون العرب، وقد كانوا نسبوه في اعتساف وكذب صراح لسيرتهم العلمية ورصيدهم المعرفي، وإنما كانوا على الحق والصدق مجرد خدام ومستخدمين في مهمة إعادة التصنيع العربي للتوفيد الاستشراقي، وإذاعيين للحقل المعرفي الاستشراقي المارق الحاقد على الإسلام والمسلمين، نذكر من هؤلاء الذين تناولتهم هذه الدراسة النقدية الفاضحة، ويأتي على رأسهم وفي مقدمتهم المغربي محمد عابد الجابري، والتونسيان هشام جعيط وعبد المجيد الشرفي، والجزائري محمد أركون، والمصريان حسن حنفي وأحمد أمين، وآخرون…

لقد بات من المهم جدا في سياق المدافعة، الكشف عن تبعية هذه العجوات الحداثية المحلية، وأنها ليست نخبا فكرية، تتمتع بقدرات معرفية قادرة “كما الزعم القائم” على إعادة قراءة التراث الإسلامي ونخله وبيان المتهم منه خاصة فيما له متعلق بالسنة المطهرة والحديث الشريف، وسيرة الرواة المستهدفين البخاري وأبو هريرة نموذجا، كما صار من الأهم والمواجهة لم تضع أوزارها بعد، الاعتناء بكتب التاريخ ورصيد السير والتراجم، فقد ثبت أنه جانب لم يعط نصيبه من جهد الجهابدة، إذ لا تزال بضاعته مزجاة، وبوابته مشرهة أمام طيور الظلام، وقطاع الطرق وأشرار الغاسق متى ما وقب، فمنها يمتحون الحجج الباطلة لتسييس الموضوعي من هذا الدين العظيم وصبغه بطابع المناكدات السياسية بين الأموي والعباسي و…

وفقنا الله إلى أن نكون من حراس حياضه، وذلك الأمل، وذلك المبتغى، والله أعلم أين يضع رسالته أصلا وفرعا…آمين

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *