كتب محمد الراجي في جريدة هسبريس الإلكترونية (14-5-2015) مقالا تحت عنوان: “جمعية تكشف معطيات صادمة عن واقع التلاميذ بالمدارس”، جاء فيه:
“كشفت الجمعية المغربية للإنصات والتحاور مُعطياتٍ صادمةٍ حوْلَ الوضعية النفسية والصحيّة والمشاكل الاجتماعية التي يتخبط فيها التلاميذ المغاربة، مبْرزةً ضمن تقارير أعدّتها، بناء على جلسات إنصات لتلاميذ وذويهمْ، عنْ وجودِ مشاكلَ خطرةً تستدعي من المسؤولين عن التدبير التدخّل لعلاجها.
خلْف أسوار المدارس يُوجدُ تلاميذ، من الجنسين، يُعانون اضطراباتٍ نفسيّة،وتستعرُ في نفوسهم نزْعة انتقاميّة، سواءٌ تجاه المدُرّسين وإداريي المؤسسات التعليمية، أوْ تُجاه آبائهم وأمّهاتهم.. وتقول أمينة باجي، رئيسة الجمعية، إنّ “النّزعة الانتقامية متفشية في أوساط التلاميذ على نحوٍ خطير جدّا”.
ويَظهرُ أنّ أزمةَ التعليم في المغرب أعمقُ بكثيرٍ ممّا يرَاه المسؤولون عن الشأن التربوي والتعليمي، في ظلّ غيابِ الاهتمام بوضعية التلاميذ، خصوصا على المستوى النفسي، ففي إعدادية واحدة بمدينة بالرباط لوحْدها، سجّلت الجمعية طرْد 60 تلميذا، بسبب سلوكهم العنيف، وفي إعدادية أخرى طُردَ أربعة وعشرون تلميذا.
وحسبَ المعطيات التي كشفتْ عنها أمينة باجي، فإنّ الاضطرابات النفسية التي يعاني منها التلاميذ المغاربة، يُفاقمُها تجاهُل آبائهم لهذا المعطى، موضحة أنّ أولياء التلاميذ، خصوصا الرجال، لا يستجيبون لدعوات الجمعية بالتحدّث إليهم، كما أنهم يرفضون علاجَ أبنائهم، “لأنّهم هم أنفسهم بحاجة إلى علاج”.
ولا تتوقّف الأوضاع “السّيئة” للتلاميذ عند تفشّي الاضطرابات النفسية في صفوفهم، بلْ تمتدّ إلى الإدمان على المخدّرات، وإقامة علاقاتٍ جنسية، تنتهي بالحمْل، كما تنتهي بالإصابة بالأمراض المنقولة جنسيّا، وحتى الإجهاض، وقالت الدكتورة العراقي، عضو مكتب الجمعية في هذا الصدد “الحمل موجود في صفوف التلاميذ بشكل مدهش”.
وقدّمتْ رئيسة الجمعية المغربية للإنصات والتحاور أمينة باجي معلوماتٍ صادمة بخصوص العلاقات الجنسية غير الشرعية في صفوف تلاميذ وتلميذات المدارس المغربية، وروَتْ أنّ تلميذةً في إحدى المؤسسات التعليمية بالرباط حبَلتْ بعد علاقة جنسية، وقامتْ بإجهاض جنينها بنفسها، من خلال استعمال “المهراز”.
وتمتدُّ المشاكل التي يتخبّط فيها التلاميذ إلى محيطهم الأسري، إذ يرزح عدد من التلميذات تحتَ معاناة زنا المحارم، والتحرّش الجنسيّ من طرف محارمهنّ، لكنّ الطامّة الكبرى أنّه في حالاتٍ تكون أمهاتهن على علم بذلك، ويصمتْن، بداعي “تجنب الفضيحة”، وقالت باجي في هذا الصدد “اتصلنا بأمّ تلميذةٍ ضحية زنا المحارم، وكان جوابها: ما تفضحوناش راه راجلي غادي يطلّقني”.
وهناك من التلميذات القاصرات من يتعاطى الدعارة، وأوردتْ باجي في هذا الصدد قصّة تلميذة أفصحت خلال جلسة استماعٍ لها من طرف الاختصاصيين النفسانيين والمساعدين الاجتماعيين المتطوعين بالجمعية، أنَّها تضطرُّ لمدّ أمها بمبلغ مالي كل شهر، وتوفّر لوالدها ثمن شراء السجائر، دون أن يسألاها من أين تأتي بالنقود التي تقبضها لقاء امتهان الدعارة.
ويظهرُ من خلال المعطيات التي قدّمتْها الجمعية خلال ندوة صحافية لتقديم حصيلة عشر سنوات من عملها، أنّ العلاقات الجنسية غير الشرعية سائدة بشكل كبير وسط تلاميذ المؤسسات التعليمية، وما ينجم عنها من مشاكل صحيّة واجتماعية ونفسية، ففي مؤسسة تعليمية واحدة بمدينة الرباط وقفت الجمعية على عشر حالات لتلميذات مصاباتٍ بأمراض منقولة جنسيّا”.
إن هذه المعطيات الخطيرة المتعلقة بواقع المدرسة المغربية، تدل على أن القطاع التربوي في المغرب يمر بأزمة بنيوية عميقة. ومن المؤكد أن اعتبار الاستغراب أحد الأسباب الرئيسة في ظهور هذه الأزمة، بات من الأمور المنطقية الجلية. ويمكن مقاربة هذه الأزمة من عدة جوانب، سأقتصر منها في عجالة على الجانب المتعلق بالكتاب المدرسي لمادة اللغة الفرنسية.
إن هذا الكتاب، يعتبر دعوة صريحة إلى تقمص أخلاق وعادات الغربيين، التي لا يشك عاقل مؤمن بمبادئ الأخلاق السامية، أنها أبعد ما تكون عن الأخلاق الإنسانية الطاهرة الشريفة..
ومن جهة أخرى فإنه يضرب بعرض الحائط كل المقدسات الدينية، والأخلاق والعادات الأصيلة، وينال من الشخصية الإسلامية المغربية .
وإذا علمنا ضعف الوازع الديني والحصانة الخلقية عند التلاميذ والطلبة، أمكننا تصور الآثار السلبية لتلك النصوص والصور على عقليتهم وسلوكهم، لا سيما أن الصورة الغربية، سواء انتمت إلى عالم الكائنات الحية والأشياء، أو عالم المعاني والأفكار المتضمنة في النصوص المعروضة، هي بمثابة مواد البث والإرسال.
في حين أن التلميذ يقف موقف المتلقي والمستهلك. ومع مرور الزمن تتفاعل صور تلك الكائنات والأشياء والأفكار في نفسية التلميذ، وتترسخ في ذهنه عبر آلية التقمص، فيرق الحجاب بين ذاته والآخر؛ الغرب. وينظر إلى صورته في مرآة الغربي، فيستحليها ويتلذذ بها، ثم يطلب المزيد من البث والإرسال، ويتهافت على كل ما يأتي ويصدر عن الغرب ، لذلك يكون مستغربا أي طالبا للغرب ثقافة وحضارة وقيما.
ويمكن الاقتصار على عاملين أساسيين ومباشرين، في فهم ظاهرة الاستغراب الخلقي في الكتاب المدرسي لمادة اللغة الفرنسية؛ العامل الأول لغوي بحث ،والعامل الثاني له علاقة بالتعليمات الرسمية المختصة بتعليم اللغة الفرنسية.
العامل اللغوي:
إن مما هو بديهي عند العلماء واللغويين منهم خاصة، أن اللغة والثقافة في التحام دائم، ويشكلان وجهين لموضوع واحد، ذلك أن اللغة ليست وسيلة للتواصل فحسب وإنما هي أيضا ناقلة للثقافة التي تنتمي إليها. أو بعبارة أخرى؛ فإن اللغة ليست مجرد وسيلة لنقل الأفكار فحسب، وإنما هي ذات ارتباط وثيق بالأفكار التي تنقلها، وذات تأثير فيها وتأثر بها. كما أن اللغة تؤثر في الشخص الذي يتحدث بها ويمارسها تأثيرا لا حد له، يمتد إلى تفكيره وإرادته وعواطفه وتصوراته وإلى أعماقه النفسية، وإن جميع تصرفاته تصبح مشروطة بهذا التأثير ومتكيفة به.
وبما أن طابع الثقافة الفرنسية علماني ومادي، فإن الأخلاق والقيم الاجتماعية السائدة في فرنسا، هي من جنس تلك الثقافة. فالإباحية والانحلال الخلقي، وما أشبه ذلك، تبدو عند الفرنسي أمورا عادية، بل ربما عبرت عن الحرية في أسمى معانيها. ولما كانت اللغة الفرنسية وعاء لثقافة مليئة بالمظاهر اللأخلاقية، لم يكن غريبا أن تكثر فيها الكلمات والألفاظ والأمثال والمعاني الساقطة، وكفى بأدبها، شعرا ونثرا، دليلا على ذلك. ومن هنا فإن مؤلفي الكتاب المدرسي لمادة الفرنسية، انساقوا مع تيار الثقافة الفرنسية، واستعذبوا كثيرا من النصوص رغم مضمونها اللأخلاقي.
عامل التعليمات الرسمية:
إن المطلع على التعليمات الرسمية المتعلقة بتعليم اللغة الفرنسية ، انطلاقا من ثمانينيات القرن الماضي1، يجدها تنص على أن “الانفتاح” على ثقافة وحضارة الآخر؛ أي الغرب، يعتبر من أهم الغايات المستهدفة من تعلم التلميذ المغربي للغة الفرنسية. إن اللغة الفرنسية بالنسبة لهذا التلميذ وسيلة للحصول على ثقافة مغايرة. وبما أن نصوص هذه التعليمات لم تشر إلى استحضار المعيار الأخلاقي حين اختيار النصوص الأدبية والفكرية والتربوية المتعلقة بمادة اللغة الفرنسية، فإن الكتاب المدرسي المتعلق بهذه اللغة، صدر طافحا بالنصوص اللأخلاقية واللاتربوية.
إن هذا الانفتاح الذي ينص عليه التعليمات الرسمية، وكما يتصوره المسؤولون عن التربية والتعليم والثقافة عندنا، وكما يتخيله مؤلفو الكتب المدرسية لمادة الفرنسية، هو ما أسميه بالاستغراب الأخلاقي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- راجع مثلا منشورات “وزارة التربية الوطنية، مديرية التعليم الثانوي، قسم البرامج” من سنة 1985 إلى 1995، الملفات التربوية الخاصة باللغة الفرنسية.