تعتبر القضية الفلسطينية وما يتعرض له إخواننا في أرض الأقصى من قضايا الأمة الإسلامية الكبرى، ففلسطين السليبة ما وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم إلا بسبب الخيانة العربية الخارجية -الأنظمة القومية- والداخلية حركة التحرير الفلسطينية “حتف” -فتح-، وما يقوم به رهبان الحداثة ودراويش البنيوية وعبيد الحركة الغربية: العلمانيون، من دعوات للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وإحلال السلام=الاستسلام..
إن المسجد الأقصى المبارك له في نفوس المسلمين أهميةً خاصةً ومكانةً عظيمةً، يُكنّون له الودّ الشديد، والحب العميق، وما ذلك إلا لتفضيل الله إياه، فيما خلق الله، ثم اصطفاه واجتباه “وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ”، والله جلّ وعلا طيّب لا يختار من موجوداته تفضيلاً وتشريفاً إلا ما كان شريفاً طيباً مباركاً.
فالمسجد الأقصى هو مسرى نبينا صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه وتعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ” الإسراء، وهو من المساجد التي تشد إليها الرحال فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُشَدُّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى) رواه البخاري ومسلم، وهو ثاني مسجد بني في الأرض: فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: “قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول، قال: المسجد الحرام. قال: قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة. ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصل فإن الفضل فيه) رواه البخاري ومسلم.
قال ابن تيمية رحمه الله: “ودلّت الدلائل المذكورة على أن (ملك النبوة) بالشام والحشر إليها، فإلى بيت المقدس وما حوله يعود الخلق والأمر، وهناك يُحشر الخلق، والإسلام في آخر الزمان يكون أظهر بالشام، كما أن مكة أفضل من بيت المقدس، فأول الأمة خيرٌ من آخرها، كما أن في آخر الزمان يعود الأمر إلى الشام، كما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى”. (مجموع الفتاوى 27/43-44).
لهذه الأمور وغيرها كان المسجد الأقصى محط اهتمام الأمة الإسلامية قاطبة.
غير أن المنابر العلمانية التي تخدم البروتوكولات الصهيونية لعبت دوراً بارزاً في غسل الأدمغة وتحريف المفاهيم بحسب الحال والظرف والمصلحة، ومن بين هذه المنابر مجلة “نيشان” التي لا تنفك تهاجم الإسلام وتستهزئ بشعائره وفروضه وقضايا الأمة الكبرى، كما جاء في مقال نشرته تحت عنوان “آش من قضية فلسطينية؟” (عدد: 154).
فمن جملة ما سوده صاحب المقال: (يعتقدون أنهم يعيشون في القرون الوسطى..)، (ما جَبْنَا من الشرق سوى قرون من الظلام..)، (عدونا الحقيقي يكمن في طريقة تفكيرنا، وليس في العدو الصهيوني) وما هذا إلا إسقاط علماني كما يقول علماء النفس -أي: يتهمني بما فيه ليدافع عن نفسه-، وهو نفس المنطق الذي تعامل به الطاغية فرعون حين جاءه موسى بالحق من ربه فقال: “ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ”.
وأي ظلام جئنا به من الشرق؟
أهو القرآن؟ أم السنة؟ أم..
فما هذه الهرطقة إلا اجترار لما قام به العلمانيون في مصر مع مطلع القرن العشرين، حين وسم سلامة موسى الانتماء إلى الإسلام بمرض التشرق، أي محبة الشرق والعرب والانضواء تحت رايته، واعتبر ذلك مرضاً مزمناً يحتاج إلى علاج، ونسي سلامة ومعه صاحب المقال أن الاعتزاز بالإسلام عافية وقوة، وأن المرض الحقيقي هو فقدان الإنسان ثقته بنفسه وأمته، ودعوته إلى تقمص شخصية أخرى، هذا هو مرض “الابتلاء بالتغرب”.
وهذا الوباء هو أشبه بالعفونة التي تصيب القمح عندما يبدو القشر سليماً والتسوس في القلب، وهذا التسوس ظهر في قول مسود المقال: “قد تكون “ويتني هيوسطن” أو غيرها من الفنانات التافهات، ولكن الأكيد هو أن لهن القدرة على إدخال الفرح إلى قلوب الآلاف من المغاربة”، فما هذه النظرة “البراجماتية” العلمانية التي تتعمد تجاهل حكم الشرع في الغناء، وليس هذا غريبا على من يزعم ألا دخل للدين في الأدب والفن والسياسة!!
ثم هل الشفاء من الحزن والكآبة والضجر والبؤس يكون بما حرم الله، قال رسول الله صلى الها عليه وسلم: “إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم”.
وعن أي فرح يتحدث؟
عن ضياع الملايين من الدراهم في هذه السفاهات، والغلاء والفقر وقلة ذات اليد تطارد المواطنين، فسعادة الملايين من المغاربة تكمن في ترشيد المال العام، ودعم الفقراء، والتخفيف من وطأة الفقر عليهم، لا بإحضار مغنيين يرقصون على جراحاتهم ويتمتعون بأموالهم ويكشفون لهم عن سوءاتهم.