تُجرى الانتخابات التشريعية في الدول الديمقراطية من أجل فرز أغلبية حزبية يعهد إليها أمر تدبير الشأن العام لفترة زمنية محددة دستوريا. فينتج عن ذلك حكومة وبرلمان يسندها. وقد تتشكل تلك الحكومة من حزب واحد أو عدة أحزاب بحسب طبيعة النظام السياسي والنظام الانتخابي والحزبي السائد في كل بلد.
ففي النظام السياسي الرئاسي ذي الثنائية الحزبية، فإن الحزب الفائز في الانتخابات هو الذي يتولى مهام الحكم وتسيير الشأن العام دون الحاجة لأي تحالف. حالة الولايات المتحدة الأمريكية، على عكس الأنظمة البرلمانية أو شبه الرئاسية التي تعرف تعددية حزبية فإن تشكيل الحكومات فيها غالبا ما يحتاج إلى تحالف أكثر من حزب حتى يتسنى حصولها على الأغلبية.
عندنا في المغرب، كل مرة تجرى فيها انتخابات تشريعية فهي تفرج عن بلقنة حزبية وسياسية كبيرة، يصعب معها تشكيل حكومة لها أغلبية برلمانية دون اللجوء إلى تحالف أحزاب عدة. وذلك بالنظر إلى شكل نظام الاقتراع وطبيعة التقطيع الانتخابي للدوائر الانتخابية المعمول بهما.
في السابق، كانت الحكومات عندنا تتشكل بأسرع ما يمكن من قبل أحزاب الإدارة التي تم تأسيسها لذلك الغرض في مواجهة أحزاب المعارضة التقليدية التي كانت تعرف موقعها بعد كل استحقاق انتخابي، لأن أحزاب الإدارة كانت تُمكن من الفوز دائما على حساب أحزاب المعارضة في غياب تام لأبسط قواعد الانتخابات الديمقراطية والنزيهة مادامت أحزاب المعارضة لم تكن تحظى بعد برضى النظام.
غير أن الأمور تغيرت بشكل كلي حين اقتنع كل من النظام السياسي المغربي والمعارضة بضرورة تجنيب المغرب السكتة القلبية التي كان مهددا بها، فتم السماح ببعض النزاهة الانتخابية في استحقاقات 1997 لتتمكن أحزاب المعارضة التقليدية من الفوز بالمراتب الأولى لتشكل بذلك ما اصطلح عليه آنذاك بحكومة التناوب الأولى.
اليوم، بعد اقتراع 07 أكتوبر، نرى أن الأمور قد تغيرت رأسا على عقب، وصارت جميع الأحزاب السياسية، الخاسر منها في الانتخابات قبل الفائز، ترغب في المشاركة في الحكومة، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ المغرب السياسي الحديث الأمر الذي حال لحد الآن دون تمكن رئيس الحكومة المعين من تشكيل الحكومة وأعتقد أن السبب في ذلك يرجع لسببين اثنين:
1- الكلفة السياسية الباهظة التي تدفعها الأحزاب السياسية التي تبقى في المعارضة خاصة تلك التي لم تؤسس بداية إلا لتكون في الحكومة وهو شأن جميع الأحزاب الإدارية التي خلقت من رحم السلطة، وقد لاحظنا كيف تقهقرت مراتبها إلى الخلف منذ 1997 إلى الآن.
2- الوضعية التي أصبحت عليها أغلب الأحزاب السياسية المغربية مثيرة الشفقة بما فيها المسماة بأحزاب الكتلة الوطنية لكونها لا تستطيع ممارسة أدوارها المنوطة بها بنص الدستور، من تأطير للمواطنين ودمجهم في الحياة السياسية من خلال توسيع قاعدة مشاركتهم السياسية في مختلف العمليات الانتخابية. بل أصبح هم تلك الأحزاب وقياداتها هو الاستفادة من الامتيازات وتجميع الثروات من خلال السعي بكل الوسائل لأن تكون في مواقع التسيير والتقرير في مصير المجتمع بغض النظر عن النتائج التي تحصل عليها في كل استحقاق انتخابي.
يؤكد ذلك كله ما نراه اليوم من حرص كل الأحزاب السياسية للتواجد في حكومة عبد الإله بنكيران الثانية، ولما لا إقصاؤه هو وحزبه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا، بالقفز على نتائج اقتراع 07 من أكتوبر وتشكيل الحكومة دونه، لكون تلك الأحزاب تعتقد أن حزب العدالة والتنمية قد حصل على شيء لا يستحقه. بل أكثر من ذلك فهم يعتقدون أن حزب العدالة والتنمية ما كان ليحصل على المكانة التي هو فيها الآن بتاتا لولا ما حصل من حراك مجتمعي سنة 2011.
فالأحزاب الإدارية ترى أن حزب العدالة والتنمية قد أخذ موقعها من خلال حرصه وتأكيده على العمل بالتعاون مع القصر وأنه حزب يشتغل وفق منطق التعاون لا التنازع مع الجالس على العرش، أما أحزاب الكتلة الديمقراطية فهي ترى أنها قد فقدت موقعها القائم على معادلة خلق التوازن مع الأحزاب الإدارية التي كان دائما النظام السياسي المغربي، في السابق، في حاجة إليها كدليل على وجود ديمقراطية وتعددية سياسية تؤثث المشهد السياسي المغربي وهي صورة كان المغرب في حاجة إليها لتلميع صورته خارجيا.
غير أن الأمر يختلف مع حزب الأصالة والمعاصرة الذي كان موقفه أكثر تطرفا من حزب العدالة والتنمية، لأنه يرى أنه كان الأحق منه في قيادة الحكومة منذ 2011 لولى حراك 20 فبراير الذي دفعه للتواري عن الأنظار لحين مرور العاصفة وهو ما كان.
وبالتالي فإنه حاول استرداد حقه، بزعمه، خلال اقتراع 07 أكتوبر، إلا أن الفشل كان من نصيبه. وهو ما جعله يلجأ للخطة (ب) بدعم من رعاة “التحكم” لأجل الحيلولة دون تمكن رئيس الحكومة المعين من جمع الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة.