تبصير التائب بشبهات الدكتور أحمد الخياطي حول القراءة الجماعية للقرآن وطريقة “الحزب الراتب” 2/4 أبو عبد الرحمن ذو الفقار بلعويدي

خطأ الدكتور في استعمال قاعدة الترك عند الأصوليين

احتج الدكتور على مشروعية القراءة الجماعية للقرآن بقوله صلى الله عليه وسلم: “.. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده”(1)، إلى غيره من الأحاديث التي أوردها الدكتور وموضوعها في فضل تلاوة القرآن والاجتماع على مدارسته، ولا علاقة لها ألبتة بموضوع خلافنا الذي هو تحرير الهيئة الشرعية لقراءة القرآن.
فتلاوة القرآن في الجملة مشروعة، وتخصيص هيئة معينة على غير الوجه المعهود في زمن النبوة هو البدعة، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: “أن المطلق إذا وقع العمل به على وجه، لم يكن حجة في غيره”(2).
فعدم الشرعية هي في إعمال النصوص على غير الوجه الذي جرى عليه فهم السلف، يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: “كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله فلا تتعبدوها”، وهذا ما يجعل استدلال الدكتور بقول الونشريسي صاحب “المعيار المعرب”: (ثم إن الترك المروي عن السلف لا يدلّ على حكم؛ إذ لم ينقل عن أحد منهم أنه كرهه..) (3) هو استدلال فاسد.
والغريب أن الدكتور ساق احتجاج الونشريسي بهذه القاعدة على استحسان بعض البدع مساق المسلمات، من غير أدنى بيان أو إشارة إلى وجه العلاقة بين هذه القاعدة وموضوع البحث، مع العلم أن القاعدة وإن كانت صحيحة في نفسها لكن الخطأ قد يطرأ في استعمالها، مما يلزم بيان وجه العلاقة بينهما، خاصة أن الترك عند الأصوليين قسمان؛ ترك غير مقصود وترك مقصود، واستدلال الدكتور بالقاعدة اعتمادا على اللفظ المجرد للترك هو استغفال منه للقارئ.
فالترك غير المقصود هو كترك الرسول عليه السلام أو أصحابه رضي الله عنهم أكل أنواع من الأطعمة لم تكن موجودة في أرضهم، وهذا الترك لا يدل على حكم شرعي، أو عدم جواز الانتفاع بتلك الأنواع من الأطعمة لكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطعمها. وهذا لا صلة له بموضوع بحثنا، والاستدلال به على مشروعية القراءة الجماعية للقرآن دليل إما على سوء فهم هذا الرجل، أو سوء قصده.
أما الترك المقصود فهو ما ترك الرسول عليه الصلاة والسلام فعله مع وجود المقتضي لفعله، فهذا الترك يكون منه صلى الله عليه وسلم سنة، وذلك كتركه الآذان لصلاتي الخسوف والاستسقاء، وتركه الدعاء أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جماعة بصوت واحد عقب الصلوات المفروضة، أو تركه ذكر الله بهيئة الاجتماع في المصلى قبيل صلاة العيد، ..فهذا كله لم يعهد في عهد الرسول عليه الصلاة السلام، وتركه ينزل منزلة حكم النص على عدم فعله. فالحكم على فعل مثل هذا النوع من الترك بأنه بدعة، يكون لمجرد ترك القيام به مع وجود الداعي لفعله في زمن النبوة.
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: (فأما ما اتفق السلف على تركه فلا يجوز العمل به، لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يعمل به)(4).
ويقول الإمام الشاطبي: (فما كانوا عليه من فعل أو ترك فهو السنة والأمر المعتبر، وهو الهدي؛ وليس ثم إلا صواب أو خطأ، فكل من خالف السلف الأولين، فهو على خطأ)(5).
وما يستلزم الانتباه هو أن إعمال قاعدة: (ثم إن الترك المروي عن السلف لا يدل على حكم؛ إذ لم ينقل عن أحد منهم أنه كرهه..) في باب العبادات، هو تعطيل لدلالة قوله صلى الله عليه وسلم: “كل بدعة ضلالة”، حيث لا يمكن باستعمالها رد أي بدعة، مما يفقد النص تأثيره الفعلي في سد باب الابتداع، ولا يخفى أن هذا خطر يتهدد الدين من أسُسه ويفقده مناعته.
وما أوقع الدكتور في هذا الخبط إلا سوء استعماله للقاعدة، ووضعها في غير مظانها، لخلطه بين ما هو عادة، وما هو معاملة وما هو عبادة، وما كان هذا إلا نتيجة تقليده السيء لصاحب “المعيار المعرب”.

سوء فهم الدكتور لكلام الشافعي
ومن العجب جدا استدلال الدكتور على مشروعية القراءة الجماعية للقرآن بقول الإمام الشافعي في تقسيم البدعة: (البدعة بدعتان؛ بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم، واحتج بقول عمر رضي الله عنه “نعمة البدعة”)(6).
واستدلال الدكتور بهذا الشكل يوهم القارئ أن المراد بالبدعة المحمودة عند الشافعي هو العمل بغير السنة، ليتوصل بذلك إلى تقرير أن القراءة الجماعية للقرآن بدعة لغوية يشملها قسم البدعة المحمودة في كلام الشافعي رحمه الله.
فقول الشافعي رحمه الله لا يخرج عما قررناه سابقا(7)، من أن إطلاق البدعة اللغوية على عمل تعبدي، يشترط فيه أن لا يكون ذاك العمل بدعة بل سنة. ومن يقرأ كلام الشافعي يدرك من غير جهد أنه ما أراد رحمه الله بالبدعة المحمودة إلا ما ينزل منزلة ما أطلق عليه عمر رضي الله عنه قوله: (نعمة البدعة هي)؛ وهو قيام الناس جماعة ليالي رمضان؛ وهو سنة ثابتة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم. والذي أوقع الدكتور في هذا الوهم الفقهي هو إغفاله وجه العلاقة بين البدعة المحمودة في كلام الشافعي رحمه الله وقول عمر رضي الله عنه: (نعمة البدعة هي)، إذ لابد في أي ربط بين أمرين من وجود قاسم مشترك يجمع بينهما، والذي هو في كلام الشافعي موافقة السنة.
فالبدعة المحمودة في كلام الإمام الشافعي ليس معناها -كما توهم الدكتور- اختراع عبادة، أو ابتكار هيئة جديدة -لعبادة مشروعة- لم يقم الدليل الشرعي على جواز فعلها، وكيف يكون هذا هو مراده رحمه الله وهو القائل: (من استحسن فقد الشرع).
وعلى افتراض -جدلا- أن الدكتور أصاب الفهم من تقسيم الشافعي للبدعة، فإنه لا يجوز لنا أن نترك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (كل بدعة ضلالة)، ونعارضه بكلام أي كان، وإن كان من هو في مقام علم الشافعي فضلا عمن هو دونه.
وخلاصة القول هو أن القراءة الجماعية للقرآن عبادة مزعومة، لم يشرعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا فعلها أصحابه رضوان الله عليهم، و ما تركوا فعلها إلا لعلمهم أنه لا خير في العمل بهذه الطريقة؛ فهي بدعة، وكل بدعة ضلالة .
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: (اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كفيتم، وكل بدعة ضلالة) (8).
ورحم الله الأوزاعي، وما أحسن قوله رحمه الله: (اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم) (9).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- انظر مقال: القراءة الجماعية للقرآن وطريقة “الحزب الراتب “. مجلة المجلس، العدد الأول ص64 و67.
2- الموافقات، للإمام الشاطبي 3/75.
3- مقال: القراءة الجماعية للقرآن وطريقة “الحزب الراتب”، مجلة المجلس، العدد الأول ص:67.
4- فضل علم السلف ،لابن رجب الحنبلي، ص:31.
5- الموافقات، للإمام الشاطبي 3/71.
6- مقال: القراءة الجماعية للقرآن وطريقة “الحزب الراتب “. مجلة المجلس، العدد الأول ص:67.
7- انظر المقال السابق.
8- علم أصول البدع ص20.
9- أخرجه اللالكائي، في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/154.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *