الإسلام والجهاد.. هل انتشر الإسلام بالسيف؟ إسماعيل بنزكرية

 

 

يروج كثير من الغربيين وأتباعهم من أبناء جلدتنا،وكذلك جل وسائل الإعلام، صورة عن الإسلام يغلب عليها الطابع الحربي والقتالي والجهادي، وغالباعندذكرهمالإسلاميربطون بينه وبين السيف والقتال والعمليات الإرهابية.

والمعلوم أن الجانب الحربي والقتالي يشكل جزء من منظومة الإسلام المتكاملة، مع العلم أن هذا الأمر ليس حكرا على الإسلام وحده، بل هو أمر مضطرد في جميع الأديان والمذاهب، وما كلام السيد المسيح عنا ببعيد حين يقول:لم أتي لأحمل لكم سلاما وإنما أتيت بالسيف.

ومعلوم من دراسة تاريخ الأفكار والمذاهب، أن جلها إن لم نقل كلها قد اعتمدت على القوة الحربية في لحظة معينة من تاريخها للتمدد والتطور والانتشار، حدث ذلك مع المسيحية في القرون الوسطى، بل حدث مع الديانة الهندية التي تخلو نصوصها من الجانب الحربي، لأن الواقع يفرض إكرهاته ويؤدي إلىصيرورات محددة لا مهرب منها.

لذلك ليس سؤال انتشارالأفكار بالسيف هو السليم، لكن السؤال الأكثر موضوعية هو: ما هي المبادئوالقيم التي استعمل السيف للدفاع عنها؟فإذا كانت الحرب موجهة للعابثين بالنظام الاجتماعي وتحقيق العدل وحرية الإنسان في الاختيار، فهي حرب مشروعة ومبررة.

ولكن التصور الإسلامي لم يقف عند هذا التصور البسيط للحرب والقتال والجهاد فقط، بل نظر الإسلامإلى الجهاد كمنظومة متكاملة، تنطلق منجهاد عنيف يقوم به الإنسان في مواجهة أعدائه الذين بين جنبيه من الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوءوالأخلاق الذميمة، سواء في إطار تحقيق النظام داخل المجتمع أو لتحقيق النظام الروحي والأخلاقي للشخص نفسه.

فعن المقداد بن الأسود أنه قال: يا رسول الله، أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار، فقاتلني، فضرب إحدى يديَّ بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرةٍ، فقال: أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتله)، قال: فقلت: يا رسول الله، إنه قد قطع يدي، ثم قال ذلك بعد أن قطعها، أفأقتله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال)[1].

وعن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحُرَقة من جهينة، فصبحنا القوم، فهزمناهم، ولحقت أنا ورجلٌ من الأنصار رجلًا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا، بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: (يا أسامة، أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟!) قال: قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذًا، قال: فقال: (أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟!) قال: فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم[2].

وفي رواية لمسلم: قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفًا من السلاح، قال: (أفلا شققتَ عن قلبه حتى تعلم: أقالها أم لا).

وفي رواية له أيضًا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟!) قال: يا رسول الله، استغفر لي، قال: (وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟!) قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: (كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟!)[3].

هذه الأحاديث تؤطر عملية القتال في الإسلام بضرورة الانضباط التام، والتحكم في غرائز الإنسان الداخلية للانتقام للنفس والعدوان على الآخرين، وهو أمر لا تخلو منه كثير من العمليات القتالية التي تحدث في زماننا بحيث تمارس أبشع الجرائم والاغتصاب والتمثيل بالجثة والتعذيب القذر، بسبب نفوس غير مزكاة يغلب عليها الكبر والصلف والانتصار للنفس والنزعات القبلية والطائفية.

ومعلوم الوصايا النبوية التي تنهى عن التمثيل بالجثة وتعذيب الأسرى والاعتداء الغير مبرر في القتال على الأطراف المحايدة،فقد صح النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث بريدة رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً ثم قال: اغزوا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً… الحديث”[4].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي الجيش في غزوة مؤته: «أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً، اغزوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً».

وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لا تقتلوا صبياً ولا امرأة ولا شيخاً كبيراً ولا مريضاً ولا راهباً ولا تقطعوا مُثمراً ولا تخربوا عامراً ولا تذبحوا بعيراً ولا بقرة الا لمأكل ولا تٌغرقوا نحلاً ولا تحرقوه)[5].

وعَنِ ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إذا بعث جيوشه قال: “اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا تَغْدِرُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ”.

وَعَنْ رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ، فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ؛ فَبَعَثَ رَجُلاً فَقَالَ: انْظُرْ: عَلَامَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ؟ فَجَاءَ؛ فَقَالَ: عَلَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ. قَالَ: وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خالد بن الوليد رضي الله عنه؛ فَبَعَثَ رَجُلاً فَقَالَ: “قُلْ لِخَالِدٍ: لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلا عَسِيفًا”.

فالعلة التي تبرر القتال في الإسلامإنما هي إرساء السلام، والذي لا يتم إلا عن طريق الاستسلام لمشيئة الله تعالى، ولا يلتفت كثيرا لما قد يورده المخالف من قول بخصوص الإكراه على الدين الذي هو منفي بالقطعي من نصوص القرآن، لأن إرساء السلام بعد الحروب الطاحنة التي عاشتها أوربا إنما تحقق لهم بالاتفاق على عقد اجتماعي بينهم اعتمدوا فيه على أقوال مجموعة من مفكري الأنوار، فلماذا يحق لهؤلاء التأسيس لعقد اجتماعي، ولا يحق لرب العالمين -جل جلاله- أن يكون هو المرشد لعباده لما فيه استقامة أمرهم، وأين رب الأرباب من أفكار من خلق من تراب؟!

فإذا كان الإسلام قد دعاإلى الجهاد واستعمل السيف في جزء من تاريخه،فإنما فعل ذلك انسجاما معواقع الحياة، كماأن استعماله للسيف إنما جاء لإرساء السلم وقيم العدل والتوازن داخل المجتمع وهو أمرلا حرج فيه ولا ضير.

[1]أخرجه مسلم حديث (95)، وأخرجه البخاري في “كتاب المغازي” “باب شهود الملائكة بدرًا” حديث (3794).

[2]أخرجه مسلم حديث (96)، وأخرجه البخاري في “كتاب المغازي” “باب بعث النبي أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة” حديث (4021)، وأخرجه أبو داود في “كتاب الجهاد” “باب على ما يقاتل المشركون” حديث (2643).

[3]انفرد بها مسلم، حديث (97).

[4]أخرجه مسلم في صحيحه

[5]أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، كتاب السنن الكبرى،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *