لقد جن جنون بني علمان، وفقدوا توازنهم العقلي، وبوصلتهم المنطقية، لا لشيء إلا لأنهم لم يبلعوا وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم، سواء في تركيا قبل عشر سنوات، أو في مصر وتونس بعد الثورة.
ولأن المغرب لم تقع فيه ثورة، ولم يكن فيه الحزب الإسلامي بتلك القوة التي تستفز بني علمان، إضافة إلى أنه لا يسيطر على الحكم إلا بشكل جزئي، لأن قانون الانتخاب مجحف في حق الديمقراطية؛ فإن الزيارة الأخيرة لرجب طيب أردوغان، قد كشفت الحقد الفكراني العلماني، إذ انقلب رجال الأعمال المغاربة على رئيس الحكومة، لما رفضوا مقابلة رجال الأعمال الأتراك، وهذه سابقة تاريخية في المغرب، بدعوى عدم التنسيق معهم في شأن الزيارة.
كثيرا ما صدع بنو علمان رؤوسنا بأن الإسلامين لا يحسنون إلا فقه الحيض والنفاس، ولما دخلوا غمار السياسة، قالوا لا سياسة في الدين، وبقي لهم بأن يصرحوا بألا دين في الدين، ليفصلوا الدين عن نفسه، أو قل لاحق للإسلاميين في الوجود إلا بالتماهي المطلق مع الرؤية الغربية للأمور.
ولطالما اتهموا الإسلاميين بالتخلف، والعيش بعقلية عصر الجمال، متجاهلين أن من كانوا يعيشون ذلك العصر فتحوا الدنيا، فذلت لهم الشعوب طيعة؛ لكن لما أثبتت تركيا أردوغان تفوقها الاقتصادي، فقدوا عقولهم، وطفح حقدهم الفكراني، ولم يثبتوا على قولهم الأول الذي يعتبر أن الاقتصاد هو كل شيء، لأنه بعد امتلاكه يهون الحصول على أي شيء، علاوة على أن العلمانية حكمت العالم العربي منذ استقلال بلدانه، ولم تجرؤ حتى على أن تشتم ولو رائحة التفوق التركي في عهد حزب العدالة والتنمية، الذي يكفيه أنه تمكن من سداد جميع ديون تركيا المستحقة لصندوق النقد الدولي، بل إنها بدأت بإقراضه بخمس مليارات دولار.
فماذا يريد بنو علمان؟
إنهم ببساطة، يريدون الحكم والسلطة، والجاه والنفوذ، ولتذهب الأوطان للجحيم، لأنه لو كانت لديهم ذرة من الوطنية التي يدعونها، لوضعوا أيديهم في أيدي كل من يحقق مصالح البلاد، خصوصا عندما تكون مرجعيته من مرجعية بلادنا، إلا أن بني علمان مرجعيتهم غير مرجعية بلدهم، لأنهم يسبحون بمرجعية الغرب، ومنظومته الكونية صباح مساء، ويا ليتهم حققوا ما حقق الغرب على الصعيد المادي، لكن، هيهات هيهات، فالمساكين، لا هُمْ في العير ولا هم في النفير، لأن هَمَّهُمُ الشغب كالصبيان، وحقدهم الفكراني جعلهم يرفضون زيارة أردوغان، لا لشيء إلا لأنهم يعدونه من الإسلاميين، وهم يرفضون كل ما هو إسلامي، ولو أتى بالخير والنفع، دون أن يزايد عليهم أحد بأنهم مسلمون حتى النخاع!
فأين العقلانية، يا معشر بني علمان؟
إن الأيام تفضحكم، وتكشف عن أنكم لا تؤمنون بشيء، إلا أن يكون إيمانكم ينحصر في عقيدة الإقصاء، وخُلُق النرجسية.َ
كيف يستقيم في الأذهان أن يلتقي المتناقضان، أو تضع الطبقتان اللتان تمثلان طرفي نقيض أيديهما في أيدي بعض! وأعني بهما طبقة البورجوازية التي يقودها أرباب العمل، والطبقة التي طالما تاجر بها اليسار، دون أن يحقق لها شيئا، مما كان يدعيه، ويملأ الدنيا بشعارات حوله، بل على العكس من ذلك، فقد ارتمى في أحضان الرأسمالية المتوحشة بكليته، بدعوى فن الممكن الذي تمثله السياسة، والتحالف حتى مع الشيطان، إلا التحالف مع الإسلاميين، مهما كان نفعهم!
فإذا كانت هناك عقلانية بالفعل على مستوى الممارسة والواقع، بعيدا عن كل دعاية سياسية، أو تنظير أجوف، كان ينبغي أن يكون السؤال الذي بموجبه يمكن تحديد الموقف من الزيارة، هو: هل سيخسر المغرب، أو سيخضع لضغوط، أو يرتهن لعقود -كما يقع مع فرنسا وأمريكا- بسبب هذه الزيارة؟
هل من العقلانية أن تنضم ما يسمى بـ”الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، لقافلة الرافضين للزيارة، بدعوى العنف الذي مارسته السلطات التركية ضد المحتجين في ميدان “تقسيم”، في الوقت الذي رفعت فيه نفس الجمعية أعلام نظام سفاح الشام؟ هل وصل بهم الغباء والجنون إلى استحمار العقول؟ وهل مطالب الأتراك العلمانيين أقدس عند هذه الجمعية من دماء المسلمين في سوريا؟
وفي نفس السياق، وبعيدا عن أي عقلانية، بل بكل عاطفة، ولو أنها مذمومة عندهم، وسيطرة فكرانية، أعلن حزب العمال الجزائري اليساري، هو الآخر، مقاطعته خطاب رئيس وزراء تركيا، أمام أعضاء مجلس النواب الجزائري، “تضامنا مع الشعب التركي الذي أعلن انتفاضته”.
وفي تونس أيضا، تظاهر شرذمة من اليسار رفضا للزيارة، حاملين أعلام نظام سفاح الشام، ورايات حزب اللات اللبناني، منددين، هم أيضا: “بالممارسات القمعية والوحشية، التي ارتكبتها الشرطة التركية لتفريق المحتجين في ميدان تقسيم بأسطنبول”!
فكيف اتُّفِق هذا التناغم، أهو وليد الصدفة؟
والحبل على الجرار والاستغراب يزداد، عندما ينضم إعلام المارينز في مصر، على حد تعبير الشيخ الدكتور خالد عبد الله، إلى جوقة المنددين بوحشية تدخل الشرطة التركية، ويبث لأيام الاحتجاجات مباشرة، وهو الذي بقي في صف النظام المخلوع حتى آخر لحظة.
لقد ثبت بالملموس إذن، أن حقد بني علمان الفكراني، يمينا ويسارا، عربا وعجما، يعميهم عن مصالح بلدانهم، إن كانت لهم نوايا الإصلاح أصلا، بدليل ما تقترفه جبهة الخراب في مصر مثلا، والمسماة كذبا، بجبهة الإنقاذ، إلا أن يكون إنقاذا للمفسدين والفساد، وبدليل ضبط أجانب في الاحتجاجات الواقعة في تركيا، كما ضُبطوا في مصر من قبل، تنفيذا لنظرية الفوضى الخلاقة التي ابتدعتها كونداليزا رايس.
فهم حقا يبدعون في تدمير بلدانهم، ويستغلون كل فرصة لإثارة الفوضى والفتن، والمتتبع يرى بوضوح أن ميدان “تقسيم” يراد له أن ينحو منحى ميدان التحرير بعد الثورة، فوضى تلو فوضى، وفتن تتلوها أخرى.