يقول تعالى: “يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ” آل عمران:71. ويقول جل شأنه أيضا: “وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ( البقرة:42.
إن ادعاء المغرضين ضد الإسلام بأن نظام الإرث فيه قد ظلم المرأة إذ جعلها ترث نصف حظ الرجل فقط، لبس للحق بالباطل، وتزوير للحقائق، ورجم بالغيب لا وجود لأثره في أحكام شرعنا الحنيف.
ولرد هذه التهمة وتفنيد هذه الشبهة سنعتمد على منهج الاستقراء، الذي نراه أنسب لتناول هذا الموضوع.
وباستقراء حالات الميراث في علم المواريث وجدنا أن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابل أربع حالات محددة فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل.. فتكون مجموع حالات الإرث عند المرأة على النحو التالي:
أولاً: أربع حالات فقط ترث المرأة نصف حظ الرجل.
ثانيًا: إحدى عشرة حالة المرأة ترث مثل حظ الرجل.
ثالثًا: أربع عشرة حالة ترث المرأة أكثر من الرجل.
رابعًا: خمس حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال.
وتفصيل تلك الحالات فيما يلي:
أولاً: الحالات التي ترث فيها المرأة نصف حظ الرجل
1- البنت مع إخوانها الذكور، وبنت الابن مع ابن الابن. 2- الأب والأم إذا لم يوجد أولاد ولا زوج أو زوجة. 3- الأخت الشقيقة مع إخوانها الذكور. 4- الأخت لأب مع إخوانها الذكور.
ثانيا: حالات ترث المرأة فيها مثل حظ الرجل
1- الأب والأم في حالة وجود ابن الابن.
2- الأخ والأخت لأم.
3- أخوات مع الإخوة والأخوات لأم.
4- البنت مع عمها أو أقرب عصبة للأب (مع عدم وجود الحاجب).
5- الأب مع أم الأم وابن الابن.
6- الزوج والأم والأختان لأم والأخ شقيقين على قضاء سيدنا عمر -رضي الله عنه- فإن الأختين لأم والأخ الشقيق شركاء في الثلث.
7- انفراد الرجل أو المرأة بالتركة بأن يكون هو الوارث الوحيد، فيرث الابن إن كان وحده التركة كلها تعصيبا، والبنت ترث النصف فرضًا والباقي ردًا. وذلك لو ترك أبا وحده فإنه سيرث التركة كلها تعصيبًا، ولو ترك أما فسترث الثلث فرضًا والباقي ردا عليها.
8- الزوج مع الأخت الشقيقة ؛ فإنها ستأخذ ما لو كانت ذكرًا، بمعنى لو تركت المرأة زوجًا وأخًا شقيقا فسيأخذ الزوج النصف، والباقي للأخ تعصيبًا. ولو تركت زوجاً وأختاً فسيأخذ الزوج النصف والأخت النصف كذلك.
9- الأخت لأم مع الأخ الشقيق، وهذا إذا تركت المرأة زوجًا، وأمًّا، وأختًا لأم، وأخًا شقيقًا؛ فسيأخذ الزوج النصف، والأم السدس، والأخت لأم السدس، والباقي للأخ الشقيق تعصيًبا وهو السدس.
10- ذوو الأرحام في مذهب أهل الرحم، وهو إن لم يكن هناك أصحاب فروض ولا عصابات فإن ذوي الأرحام هم الورثة، وتقسم بينهم التركة بالتساوي كأن يترك المتوفى (بنت بنت، وابن بنت، وخالا، وخالة) فكلهم يرثون نفس الأنصبة.
11- هناك ستة لا يحجبون حجب حرمان أبدًا وهم ثلاثة من الرجال، وثلاثة من النساء، فمن الرجال (الزوج، والابن، والأب)، ومن النساء (الزوجة، والبنت، والأم).
ثالثا: حالات ترث المرأة فيها أكثر من حظ الرجل
1- الزوج مع ابنته الوحيدة.
2- الزوج مع ابنتيه.
3- البنت مع أعمامها.
4- البنتان مع الزوج، والأب والأم.
5- الأختان شقيقتان والزوج، والأم.
6- ونفس المسألة أيضا لأختين لأب؛ حيث يرثان أكثر من الأخوين لأب.
7- البنت معا لزوج، والأب، والأم.
8- الأخت الشقيقة مع الزوج، والأم.
9- الزوجة، مع الأم، والأختين لأم، والأخوين الشقيقين.
10-الأخت لأم مع الزوج، والأخوين الشقيقين.
11- الأم في حالة فقد الفرع الوارث، ووجود الزوج في مذهب ابن عباس -رضي الله عنهما-، فلو مات رجل وترك: أبًا، وأمًا، وزوجًا فللزوج النصف، وللأم الثلث، والباقي للأب، وهو السدس أي ما يساوي نصف نصيب زوجته.
12- لو تركت امرأة: زوجًا، وأمًّا، وأختًا لأم، وأخوين شقيقين.
13- ولو ترك رجل: زوجة، وأبًا، وأمًّا، وبنتًا، بنت ابن.
14- لو ترك المتوفى: أما، وأم أم، وأم أب.
رابعا: حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال
1- بنت الابن ترث ولا يرث ابن الابن. فمثلا لو ماتت امرأة وتركت: زوجًا، وأبًا، وأمًا، وبنتًا، وبنت ابن وتركت تركة فإن بنت الابن سترث السدس، في حين لو أن المرأة تركت ابنَ ابنٍ بدلاً من بنت الابن لكان نصيبه صفرًا؛ لأنه كان سيأخذ الباقي تعصيًبا ولا باقي في هذه الفريضة.
2- لو تركت امرأة: زوجًا، وأختًا شقيقة، وأختًا لأب، فإن الأخت لأب سترث السدس، في حين لو كان الأخ لأب بدلا من الأخت لأب لم يرث؛ لأن النصف للزوج، والنصف للأخت الشقيقة والباقي للأخ لأب ولا باقي.
3- ميراث الجدة: فكثيرا ما ترث ولا يرث نظيرها الجد.
4- لو مات شخص وترك: أب أم، وأم أم. في هذه الحالة ترث أم الأم التركة كلها، حيث تأخذ السدس فرضًا والباقي ردًا، وأب الأم لا شيء له؛ لأنه جد غير وارث.
5- كذلك لو مات شخص وترك: أب أم أم، وأم أم أم. فتأخذ أم أم الأم التركة كلها، أي السدس فرضًا والباقي ردًا عليها ولا شيء لأب أم الأم؛ لأنه جد غير وارث.
وهكذا يتضح لنا أنه في ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابل أربع حالات فقط محددة شرعا ترث فيها المرأة نصف حظ الرجل عللها أهل العلم بعلل منها: أن لها حق القوامة على الرجل نفقة، وأنها لا تدفع مهرًا ولا نفقة، ولا تتحمل أيًّا من تكاليف الحياة…
فيلوح وبلا ريب أن الإسلام لم يظلم المرأة قِيد أنملة، يقول تعالى: {ذلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّـهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} آل عمران، ويقول أيضا: {مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} فصلت، وقال جل شأنه: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} ق، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} النساء.
فكيف يتصور هذا الظلم المزعوم ونظام الإرث في الإسلام نظام رباني شامل عادل مقدس ومنزه عن التحيز؟ يقول الله جل في علاه {يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} النساء:11. فالله وحده تعالى هو الموصي.
كيف يتصور ذلك وأحكام الإرث في الإسلام ألغت كثيرا من الأعراف الجاهلية التي كانت تحرم المرأة والأطفال من الميراث؟ فلم يكن يورث إلا الرجال الذين يقاتلون أو يحرزون الغنائم كما يدعون، فجاء الإسلام وأعطى الحق للمرأة وللطفل بمجرد الاستهلال حيا. قال تعالى: {للرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} النساء:7.
وألغى كل أشكال التميز سواء كانت بسبب اللون أو العرق أو غيرها. كما ندب إلى الوصية حتى يتمكن من إيصال الحقوق حتى إلى غير الورثة. كما منع التنازل عن حق الإرث مهما كان السبب حتى لا يستغل لحرمان من لهم حق في الإرث. كما قسم هو سبحانه وتعالى التركة وحدد الورثة وأنصبتهم وشروط إرثهم حتى ينفى الظلم، ويحق العدل، ويعم الأمن، ويعيش الناس بسلام.