رجعي أنا الذي أركب الطائرة وأستقل الحافلة، وأدرس في المعاهد الراقية وأحصل الشواهد العليا، وأحسن الرقن على لوحة المفاتيح، وأتقن الإبحار في الشبكة العنكبوتية، ولدي حساب في الفايسبوك والتويتر. ولدي هاتف ذكي وحاسوب لوحي، أناقش الاقتصاد والسياسة وعلم الاجتماع….
فما الذي ألبكم علي؟ وبما كنت رجعيا وكنتم متقدميين حداثيين؟
لماذا أنا رجعي ظلامي وأنتم متنورون متطورون؟
نعيش في زمن انقلاب الموازين، وخدع الكلام وبريق السراب، منا من يصدق الأكاذيب التي ألفها سمعه، لأنه عليها يصبح وعليها يمسي وما أكثر هؤلاء، والقليل من لا يلتفت إليها، بعد أن وفقه الله لتمييز الغث من السمين والكذب من الصدق، وأصبحنا نعيش زمنا خداعا تتغير فيه اللافتات صباح مساء، وتتغير معها الأفكار والمعتقدات، لمجرد ان تنتشر الشبهة وتمتد، فتلتصق تهمة الكذب بالصادق وتهمة الخيانة بالأمين، ويصبح المنافق مؤمنا والفاجر تقيا، ولتحترق دماء العقلاء، وليشقوا في النعيم بعقولهم، في الوقت الذي ينعم فيه إخوان الجهالة في جهلهم الواسع العميق.
ما أكثر التهم الجاهزة والأوصاف الخادعة، فهي رنانة تطرب السمع إن كنت على هوى من تكلف بتوزيعها وإلصاقها، وهي موحشة فاحشة إن كنت تغرد خارج سرب المجون والانحلال الذي ارتضوه سياسة طبعت كل مجالات الحياة.
فأنت رجعي ظلامي ومتخلف تحن إلى الماضي الأسود، متحجر ماضوي منغلق تكره الحياة والتقدم والحداثة، كل هذا فقط لأنك اخترت الطريق الذي لم يقدروا على السير فيه، لأن الهوى تغلب عليهم وكبل أيديهم وأرجلهم، فوجودك ينغص عليهم التمتع بملذات الحياة، ففي قرارات أنفسهم أنك على صواب، فيعميهم الحقد والحسد أن تكون على الحق ويكونون على الباطل فيرمونك عن قوس واحدة، فلا تكترث وامض في طرقك ولا ترعهم سمعك فإنهم سيملون.
أن أكون رجعيا في نظرهم فذاك شرف ووسام أسعى إليه بصدق وإخلاص، فمن ينزعج لو وصفه من ليس على الجادة بالانحراف، لئن كان انحرافا عن سبيل الشيطان فأهلا وسهلا به.
يقولون عني رجعي، أقول لهم ونعم الوصف، إنه يدغدغ مشاعري ويهز كياني ويطرب سمعي، لست منزعجا بسماعه، ولا مشمئزا من أن أوصف به كما تتمنون، ولن أترك لكم فرصة لتفرحوا بحزني جراء نعتكم لي بالرجعي فهي عندكم وصف قدح وعندي وصف مدح.
رجعي أنا الذي أركب الطائرة وأستقل الحافلة، وأدرس في المعاهد الراقية وأحصل الشواهد العليا، وأحسن الرقن على لوحة المفاتيح، وأتقن الإبحار في الشبكة العنكبوتية، ولدي حساب في الفايسبوك والتويتر. ولدي هاتف ذكي وحاسوب لوحي، أناقش الاقتصاد والسياسة وعلم الاجتماع….
فما الذي ألبكم علي؟ وبما كنت رجعيا وكنتم متقدميين حداثيين؟
لماذا أنا رجعي ظلامي وأنتم متنورون متطورون؟
آه لقد عرفت السر في ذلك….
فأنا رجعي لأني اخترت طريق الاستقامة، أحل ما أحل الله وأحرم ما حرم الله، رجعي أنا لأني محافظ على الصلاة في أوقاتها؛ وأصوم رمضان بشوق واحتساب.
رجعي أنا لأني جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائدي ودليلي، وصحابته قدوتي ونبراسي، والتابعين أسوتي ونجومي.
رجعي أنا لأني اتخذت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منهج حياة، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم دليلا حتى لا أضل في الفلاة، رجعي أنا لأني لا ألوي أعناق النصوص الشرعية وأعمل بها دون تأويل باطل أو تحريف سمج أو تعسف منكر.
رجعي أنا لأني لا أقبل التنازل عن عقيدتي والتفريط في ديني والمتاجرة بقيمي.
رجعي أنا لأني لا أقبل بمنهج الإباحية الفردية التي تسمونها زورا بالحرية الفردية.
رجعي أنا لأني لا أعاقر خمركم ولا أدمن مخدراتكم ولا أحتسي سجائركم.
رجعي أنا لأني لا أحيي لياليكم الحمراء، ولا أعشق معانقة النساء، ولا أصافح أياديهن ولا أقبل الخدود.
رجعي أنا لأني لا أتخذ الخليلات، ولا أهوى العشيقات، ولا أقبل بالخيانات، ولا أقلب النظر بين السيقان والصدور العاريات.
رجعي أنا لأني لا أرضى بالخنا والخنوع، ولا أستمرأ العري والسفور، ولا أرضى بالانحلال والمجون.
رجعي أنا لأني لا أحب الغنا، والرقص، والاختلاط، ولا الالتصاق. ولا أتابع الأفلام ولا المسلسلات.
رجعي أنا لأني لا أرضى بأن تلطخ كرامتي وتدنس سمعتي أو يستباح عرضي، ولا أقبل بسفور زوجتي وتبرج ابنتي، ولم يتلوث دم رجولتي بسرطان الدياثة، ولم تمسخ فطرتي بأمراض الانتكاسة، ولم أفرط في عزتي و شرفي رغم الضغوط.
لذا أنا رجعي لأني لا أصطحب أهلي وأفراد أسرتي لشواطئ العري ومسابح الخزي، ولا أنام في بيتي لتحيي زوجتي ليلها في عرس الجيران على أنغام الموسيقى والهذيان. ولا أشتغل بالتلفاز لتشتغل كريمتي بصديقها في الغرفة المجاورة وأنا مرتاح البال.
رجعي أنا لأني لم تأسرني قيود الموضة، ولم يخدعني بريقها الباهر، ولم أصبح عبدا للرأسمالية المتوحشة، ولم تخدعني العولمة الفاحشة.
رجعي أنا لأن الضيم ليس شيمتي، والدياثة ليست صفتي، والهوان ليس ملبسي.
رجعي لأني غير مستعد لأن أغير جلدي وأحول وجهتي وأتنازل عن مبادئي من أجل دنيا زائلة، ونعيم موهوم، ومكانة مغشوشة، وبريق كاذب.
فلأعش رجعيا، ولتعيشوا تقدميين، إن كان هذا تقدمكم وهذا تخلفي.
فاللهم أحيينا رجعيين.. وتوفنا رجعيين.. واحشرنا مع الرجعيين..