بعد أن فشلت المنظمة الهولندية غير الحكومية نساء على الأمواج (Women on Waves) بتواطؤ مع الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية (مالي) في اختراق المجتمع المغربي وإجراء عمليات إجهاض مخالفة للشرع والقانون؛ عادت هولندا إلى الظهور على ساحة الأحداث من جديد عن طريق سفارتها هذه المرة؛ وعبر نشاط أوسع وأخطر؛ بتحالف جديد مع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
فقد نظمت الجمعية المذكورة خلال الفترة الممتدة ما بين 21 و27 فبراير الماضي؛ وبشراكة مع سفارة هولاندا والنرويج أربع جامعات تكوينية جهوية، بكل من: طنجة والناضور وأكادير والقنيطرة، موجهة لفائدة 600 تلميذ وتلميذة من أبناء إعداديات وثانويات الجهات الأربع، تهدف إلى (تعزيز التربية على حقوق الإنسان ونشرها في صفوف هذه الفئة العمرية).
وأعربت خديجة الرياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في استجوابها مع جريدة الاتحاد الاشتراكي (ع:10345-25/03/2013) أن البرامج تضمن عروضا نظرية ذات الصلة بموضوع حقوق الإنسان أهمها: ..الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التربية على حقوق الإنسان..، وورشات تكوينية أهمها: التمييز بسبب الدين، الجنس، ..الشباب، العولمة وحقوق الانسان.
كما تخللت هذه البرامج لقاءات مفتوحة مع ممثل المكتب المركزي للجمعية حول الأمراض المتنقلة جنسيا وغيرها من المواضيع التي تهم بشكل مباشر هذه الفئة من المستفيدين..اهـ.
وقبل التطرق للحديث عن بعض مضامين الجامعات التكوينية؛ وحتى لا يسيطرَ على البعض هاجس أننا نرفض حقوق الإنسان جملة وتفصيلا؛ أود أن أوضح أننا لسنا ضد حقوق الإنسان؛ وهي بالمناسبة ليست من المبتدعات الغربية؛ فقد سبقت المجتمعات الغربية إلى ذلك منذ زمن بعيد؛ فـ(أينما وجد مجتمع مستقر وجد إنسان مطمئن على حقوقه)؛ ومن يجرؤ أصلا على رفض حق الفرد -مثلا- في كفايته من مقومات الحياة؛ وحق العامل؛ وحق التربية والتعليم؛ وحق المشاركة في الحياة العامة؛ وحق الفرد في حماية عرضه وسمعته؛ والحق في محاكمة عادلة.. إلى غير ذلك.
وإنما الاعتراض على التبعية الفكرية والتقليد الأعمى لحقوق الإنسان وفق مفهومها الغربي؛ والتي تصادم مبادئُها الفطرة الإنسانية؛ وتحدث تفككا اجتماعيا رهيبا؛ وخرابا على مستوى مؤسسة الأسرة.
لقد أثير مؤخرا بسبب الاعتداء المسلح على بعض الأساتذة نقاش موسع حول وضعية المؤسسات التعليمية؛ والانحراف الخطير والضياع الكبير الذي يعيش فيه التلاميذ والطلبة؛ وانتشار العنف والتحرش والزنا والاغتصاب؛ والتدخين وإدمان المخدرات بشتى أنواعها؛ داخل هاته المؤسسات التي المفروض فيها أن تقوم بواجب التربية والتعليم؛ وكنا ننتظر من مسؤولي وزارة التربية الوطنية أن يهبوا ويقوموا قومة رجل واحد ليبحثوا عن أسباب هذه المآسي التي يعاني من ويلاتها الآباء والأسر؛ وتكلف المجتمع غاليا على المستوى المادي والبشري.
كنا ننتظر منهم أن يعيدوا النظر في بعض المقررات الدراسية المستوحاة من التجربة الغربية أو المنقولة منها لفظا ومعنى؛ وأن يعملوا على وضع آليات فعالة ومناهج علمية دقيقة تحفظ عقائد التلاميذ وتهذب سلوكهم؛ وتبعدهم عن كل المشوشات والمعوقات التي تعترض طريقهم.
كنا ننتظر منهم الانفتاح على المجالس العلمية والجمعيات الوطنية المحافظة؛ كي تعينهم على تنفيذ تلك المخططات والمناهج.
لكن للأسف؛ العكس تماما هو الذي وقع؛ فقد انفتحت الوزارة الوصية على تربية وتعليم أبنائنا على جمعية حقوقية علمانية (متطرفة) وبعض الدول الغربية التي تتبنى منظومة ومرجعية مخالفة تماما لهويتنا وتاريخنا وديننا..
فما عسانا ننتظر من دول غربية وجمعية علمانية أن تعلِّمه أبناءنا بخصوص التربية الجنسية والوقاية من الأمراض المنتقلة جنسيا؛ والتمييز بسبب الدين؛ وحق الردة؛ ومواضيع أخرى؟
وما ظننا بما سيمرر خلال سبعة أيام لـ600 تلميذ وتلميذة في مقتبل العمر من أفكار وقيم وحلول لبعض المشاكل التي تعترضهم؟
وما هي القناعات التي ستمرر لهؤلاء التلاميذ خلال الورشات التكوينية؛ في غياب تربية إسلامية كافية وناجعة في المسجد والمؤسسات التعليمية؛ وتركيز مقررات الفلسفة بدقة على كثير من تلك الحقوق والمطالب؟
ألن يبعث ذلك في أنفس التلاميذ الشك والريبة في كثير من المسلمات والثوابت؛ ويجعلهم في المستقبل القريب من الدعاة لحقوق الإنسان وفق مفهومها الغربي؟
فخديجة الرياضي رئيسة (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان) التي نستأمنها على فلذات أكبادنا ما فتئت تطالب بشمولية حقوق الإنسان وفق ما هو متعارف عليه دوليا؛ ولا اعتبار لديها على الإطلاق بالخصوصية الوطنية أو الدينية، وهي ترى أن “مرجعيتها عندما تطالب بحق من الحقوق ليست هي القوانين المحلية بل المرجعية الدولية لحقوق الإنسان التي تتبناها كمرجعية واحدة ووحيدة”.
وتعتبر أن “من حق الجميع أن يعتنق الديانة التي يريد ومن حقه أن يعبر ويمارس عقائده حسب الديانة التي يختار؛ كما هناك الحق لأي شخص في ألا يكون له دين أصلا..”.
وما فتئت تطالب “بإلغاء الفصل 389 من القانون الجنائي الذي يعاقب بالسجن الممارسة الجنسية المثلية (اللواط والسحاق) باعتبار أنه إذا كانت بين راشدين تدخل في إطار الاختيارات الشخصية والحريات الفردية”.
وتطالب أيضا بالحق في الإفطار العلني في رمضان على اعتبار أن “الفصل 222 من القانون الجنائي من القوانين المجحفة في مجال الحريات الفردية بشكل عام” اهـ.
إلى غير ذلك من العقائد التي تؤمن بها الرياضي إيمانا راسخا؛ وتناضل من أجل إرسائها صباح مساء؛ في ممارسة ديمقراطية لحقها في التعبير والمطالبة بالحقوق!!
ومن حقنا بهذه المناسبة نحن أيضا أن نتساءل:
لماذا تصر هذه الجمعية ومن ورائها الغرب على عولمة نموذجه وقيمه؟
لماذا يصرون على أن يجعلوا تشريعاتنا كتشريعاتهم؟
وأخلاقنا كأخلاقهم؟
وإنساننا كإنسانهم؟
ومجتمعاتنا كمجتمعاتهم؟
و حلولنا -أيضا- التي نضعها لحل مشاكلنا كحلولهم؟
لقد أضحت حقوق الإنسان هي الحقيقة المطلقة الوحيدة التي يجب علينا جميعا أن نسلم لها؛ وأن نتخلى عن كل حقائقنا؛ ونقبل بكل ما أوتينا من قوة ودون اعتراض على ما جاء فيها.
فالغرب يعولم أيديولوجيته وفكره عن طريق إرساء وتثبيت منظومة حقوق الإنسان داخل الدول التي يعدها متخلفة ورجعية؛ ويضع تصورات جديدة حول الإنسان والحياة والكون، وهي تصورات تنطلق من نظرته المادية والإلحادية الداروينية؛ ما يجعلها في جوهرها مناقضة لهوية ودين الإسلام؛ الذي أوجب على معتنقيه الامتثال والخضوع لأحكامه وشريعته والتنكر لما سواهما.
فالإسلام وأحكامه وشريعته تصادم (شمولية حقوق الإنسان) التي تطالب بها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وغيرها؛ والتي تؤكد في مواثيقها على:
– الاعتراف بالشذوذ الجنسي، ومراجعة ونقض القوانين التي تعتبره جريمة.
– الدعوة إلى حرية العلاقات الجنسية المحرمة، واعتبار ذلك من حقوق المرأة الأساسية.
– توفير خدمات الصحة الجنسية والإنجابية للمرأة.
– نشر وسائل منع الحمل ذات النوعية الجيدة، ومنع حالات الحمل غير المرغوب فيها، والدعوة إلى منع حالات الحمل المبكر.
– الاعتراف بحقوق الزناة والزانيات (الأمهات العازبات).
– السماح بأنواع الاقتران الأخرى غير الزواج.
– التنفير من الزواج المبكر، وسن قوانين تمنع حدوث ذلك.
– إنهاء تبعية المرأة والبنت من الناحية الاجتماعية.
– الدعوة إلى التثقيف والتربية الجنسية وفق المفهوم العلماني.
– الدعوة إلى أن يكون السلوك الجنسي الآمن، والوقاية من الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي جزءاً لا يتجزأ من خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، مع ضمان السرية والخصوصية للمراهقين والمراهقات فيما يتعلق بهذا الجانب، تسهيلا لممارسة حريتهم الجنسية.
– تيسير انتشار وتوزيع العازل الطبي بين الذكور على نطاق واسع وبأسعار زهيدة وفي بعض الأحيان بالمجان.
– الاعتراف بهذه العلاقات الجنسية المحرمة، والتي تسبب هذه الأمراض الجنسية.
– الدعوة إلى أن يكون الإجهاض غير مخالف للقانون، وأن يكون مأموناً طبياً.. (انظر: قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية؛ د. فؤاد العبد الكريم).
إن إشاعة ثقافة حقوق الإنسان بمفهومها العلماني المدافعةِ عن الزنا، والشذوذ الجنسي، والسحاق، والتحول الجنسي، والردّة عن الإسلام، والإجهاض، والعري، والمروجة للأفكار المخلة بالاعتقاد من شأنها أن تنشر الانحلال والتفسخ بين جيل الغد، وتكلف المجتمع غاليا على المستوى البشري والأخلاقي والاجتماعي والتعليمي..
وإذا لم يراع العلمانيون مرجعية البلد الذي ينتمون إليه؛ فلينظروا على الأقل إلى النتائج المأساوية والمعاناة اليومية التي يتخبط فيها العالم الغربي بسبب منظومة حقوق الإنسان المادية الداروينية؛ ولينأوا عن تبرير الآثار السلبية للانفتاح الغربي من شذوذ وزنا ولواط وتحرش واغتصاب وانتشار المخدرات.. كضريبة للتحرر وتحقيق مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
تروي (تجسيكا) إحدى البريطانيات اللائي اعتنقن الإسلام السنة الماضية تجربتها؛ وسبب دخولها في الإسلام قائلة: تساءلت:
“لماذا تعتنق الكثير من النساء الإسلام في هذا البلد؟ ثم أجبْتُ:
“لأن الحريات العجيبة في الغرب لم تفعل شيئا سوى استعبادنا”.