النقاش، فطرة بشرية، وحاجة نفسية، وضع له الشرع ضوابط وقواعد، حتى لا يتحول إلى مقصد غير محمود..
عندما أناقش، يجب أن أستحضر مجموعة من الأمور:
1- أن يكون هدفي الوصول إلى الحق، وهذا يكون متعذرا في كثير من المسائل التي يكون المناقش فيها يعرف القولين معا، ويحققهما كليا، فهنا هو لا يناقش للوصول إلى الحق، وإنما يناقش لإقناع الطرف الآخر، وهذا ينعكس على طريقته في الكلام، ويؤثر كثيرا على جو النقاش، بحيث يصبح يرى نفسه معلما، وهنا يجب عليه أن يأخذ الحذر كثيرا في أسلوبه وطريقة كلامه، حتى لا يستفز الطرف الآخر.
2- أن يعرف حدود النقاش وحدود الجدال، فمتى ما رأى النقاش مال عن حده، وجاوزه إلى الجدال، فإن على المناقش اللبيب أن يفوز هنا بموعود الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك الجدال ولو كان محقا)، ويترك هذا الجدال، الذي من علامته أن يتكرر الكلام، ويعاد الدليل في المسألة أكثر من مرة، وترتفع الأصوات، وقد لا ترتفع لكن القلوب تتغير، ويصبح الكلام موتورا، فهنا على العاقل أن يترك النقاش، ويكون لبيبا في انسحابه، ولا يجعل من انسحابه سببا للتعالي، بأن يشعر الآخر بالإهانة، وبأنه أحكم منه، أو أن يسكت في أثناء النقاش مما قد يزيد من توتر الآخر، حيث يعتبر ذلك نوع إهانة، بل عليه أن يجيد الانسحاب، حتى يطفئ الضغينة، ويسل نفسه كالشعرة من العجين، وهذا من الحكمة التي من يؤتها فقد أوتي خيرا كثيرا.
3- أن يدرك أثر الجماهير في رفع وتيرة النقاش، فبعض المناقشين يستخدم الجماهير في مراحل من النقاش، ويوجه لهم الكلام، كأن يبين لهم سفاهة قول الآخر، أو أن يضحكهم من كلامه، أو يستغلهم لمواطأته على قوله، فعلى المناقش الحكيم ألا يعمد إلى هذه الأساليب، لأنها تحول النقاش إلى معركة شخصية مقيتة.
4- أن يستحضر في كل وقت، نية التعبد إلى الله عز وجل بطلب العلم، وتبيين الحق، فمتى ما استحضر هذه النية لطفت نفسه، وهدأت عدوانيته.
5- أن تظل مراقبة النفس معه على طول النقاش، فلا يترك لها الحبل على الغارب، بل يراقبها في كل كلمة، ويتابعها في كل حركة، بل وفي كل نظرة، وفي كل ضحكة، بحيث يكتشف في وقت مبكر ميولها إلى الصراع والهراش، ويعالج ذلك قبل أن يتدخل الشيطان فيسيطر عليه ويخرج الأمر عن تصرفه.
ويجب أن يعلم، أن النقاش باب كبير من أبواب الشر، إن لم نحسن استخدامه، فهو يضرب في أصل عظيم من أصول الدين، ألا وهو الأخوة الإسلامية، ونقاء القلوب، فكم من متناقشين خرجا من النقاش وهما عدوان لدودين، وكم من إخوة في الله، عاشوا بخير حال، إلى أن دبَّ بينهم هذا الداء العضال، ففرق وحدتهم، وشتت كلمتهم، وأفسد عليهم أخوتهم.
نسأل الله أن ينبهنا لعيوب أنفسنا، ويجعلنا ممن يسمع الحق فيتبعه، ويعرف الباطل فيجتنبه، والحمد لله رب العالمين.