آيات تفهم على غير وجهها – سورة المائدة – إبراهيم الصغير

– قوله تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ} (الآية: 4).
{يَئِسَ} تفهم على غير وجهها؛ فالكفار لم ييأسوا من الإسلام، بل يئسوا من ترك هؤلاء المسلمين للإسلام ورجوعهم إلى الشرك وديانتهم به.
قال أبو جعفر: «يعني بقوله جل ثناؤه: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم}، الآن انقطع طمع الأحزاب وأهل الكفر والجحود، أيها المؤمنون، {من دينكم}، يقول: من دينكم أن تتركوه فترتدُّوا عنه راجعين إلى الشرك».
ونقل عن ابن عباس في تفسيرها: «أن ترجعوا إلى دينهم أبداً».
وعن السدي قوله: «أظنُّ، يئسوا أن ترجعوا عن دينكم».
قال البغوي: «قوله عز وجل: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم} يعني: أن ترجعوا إلى دينهم كفارا، وذلك أن الكفار كانوا يطمعون في عود المسلمين إلى دينهم، فلما قوي الإسلام يئسوا، ويئس وأيس بمعنى واحد».
قال ابن كثير: «ويحتمل أن يكون المراد: أنهم يئسوا من مشابهة المسلمين، بما تميز به المسلمون من هذه الصفات المخالفة للشرك وأهله، ولهذا قال تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يصبروا ويثبتوا في مخالفة الكفار، ولا يخافوا أحدا إلا الله».
– قوله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الآية: 5).
ما المقصود بـ{الإِيمَانِ} الذي يعتبر الكفر به محبطا للعمل في الآية الكريمة؟
قال البغوي: «قال ابن عباس ومجاهد في معنى قوله تعالى: {ومن يكفر بالإيمان} أي: بالله الذي يجب الإيمان به».
قال مقاتل: «بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن»، وقيل: من يكفر بالإيمان أي: يستحل الحرام ويحرم الحلال فقد حبط عمله.
قال ابن عطية: «{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ} يحتمل أن يكون المعنى على أن الكفر هو بنفس الإيمان، وفي هذا مجاز واستعارة لأن الإيمان لا يتصور كفر به إنما الكفر بالأمور التي حقها أن يقع الإيمان بها».
وقال أبو الهيثم: «الباء صلة، أي ومن يكفر الإيمان أي يجحده».
قال الزجاج: «معنى الآية: من أحل ما حرّم الله، أو حرّم ما أحلّه الله فهو كافر».
وقال أبو سليمان: «من جحد ما أنزله الله من شرائِع الإِيمان، وعرفه من الحلال والحرام».
قيل: المراد بالإيمان المؤمن به، فهو مصدر واقع موقع المفعول به.
وقيل: ثَمَّ مضاف محذوف، أي بموجب الإيمان، وهو الباري تبارك وتعالى.
وقال الكلبيُّ: «{بالإيمان}: بكلمة التَّوحيد، وهي شهادة أن لا إله إلاّ الله، لأن الإيمان من لوازمها، وإطلاق الشَّيء على لازمه مجازٌ مشهور».
– قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ} (الآية: 19).
{فَتْرَة} تفهم على غير وجهها.
قال الطبري: «{على فترة من الرسل}: على انقطاع من الرسل، و«الفترة» في هذا الموضع: الانقطاع؛ يقول: قد جاءكم رسولنا يبين لكم الحق والهدى، على انقطاع من الرسل».
و«الفترة» «الفعلة»، من قول القائل: «فتر هذا الأمر يفتُر فُتوراً»، وذلك إذا هدأ وسكن. وكذلك «الفترة» في هذا الموضع، معناها: السكون، يراد به سكون مجيء الرسل، وذلك انقطاعها.
قال الراغب الأصفهاني: «والفَترَة: السكون والبطوء؛ يقال فَتَرَ الشيء فُتُوراً».
قال ابن كثير: «{على فترة من الرسل} أي بعد مدة متطاولة ما بين إرساله وعيسى ابن مريم».
قال القرطبي: «{على فترة من الرسل} أي سكون؛ يقال فتر الشيء سكن. وقيل: {على فترة}: على انقطاع ما بين النبيين… (قال) والأصل فيها انقطاع العمل عما كان عليه من الجد فيه، من قولهم: فتر عن عمله، وفترته عنه. ومنه فتر الماء: إذا انقطع عما كان من السخونة إلى البرد. وامرأة فاترة الطرف أي منقطعة عن حدة النظر. وفتور البدن كفتور الماء. والفتر ما بين السبابة والإبهام إذا فتحتهما. والمعنى: أي مضت للرسل مدة قبله».
– قوله تعالى: {لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} (الآية: 94).
كلمة {لِيَعْلَمَ} تفهم على غير وجهها.
قال القرطبي: «وقوله {ليعلم الله من يخافه بالغيب} علة لقوله ليبلونكم، لأن الابتلاء اختبار، فعلته أن يعلم الله منه من يخافه. وجعل علم الله علة للابتلاء إنما هو على معنى ليظهر للناس من يخاف الله من كل من علم الله أنه يخافه، فأطلق علم الله على لازمه، وهو ظهور ذلك وتميزه، لأن علم الله يلازمه التحقق في الخارج إذ لا يكون علم الله إلا موافقا لما في نفس الأمر… أو أريد بقوله: ليعلم الله التعلق التنجيزي لعلم الله بفعل بعض المكلفين، بناء على إثبات تعلق تنجيزي لصفة العلم… وقيل: أطلق العلم على تعلقه بالمعلوم في الخارج، ويلزم أن يكون مراد هذا القائل أن هذا الإطلاق قصد منه التقريب لعموم أفهام المخاطبين».
وقال ابن العربي في القبس: «ليعلم الله مشاهدة ما علمه غيبا من امتثال من امتثل واعتداء من اعتدى، فإنه عالم الغيب والشهادة يعلم الغيب أولا، ثم يخلق المعدوم فيعلمه مشاهدة، يتغير المعلوم ولا يتغير العلم».
قال الكلبي: «{ليعلم}: ليرى، فعبّر عن الرؤية بالعلم لأنها تؤول إليه».
قال الشيخ الشعراوي: «… سبحانه وتعالى العالم بكل شيء قبل أن يحدث. لكن هناك فرقا بين علم وعلم، وإنّ علم الله أزلي لا يتخلف، ولكن هذا العلم ليس حجة على الناس، لأن الحجة على الناس هو ما يقع منهم فعلاً، ولذلك كان الابتلاء».
– قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} (الآية: 103).
كلمة {جَعَلَ} تفهم على غير وجهها.
قال القرطبي: «قوله تعالى: {ما جعل الله} جعل هنا بمعنى: سمى، كما قال تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} (الزخرف: 3) أي سميناه؛ والمعنى في هذه الآية ما سمى الله، ولا سن ذلك حكما، ولا تعبد به شرعا، بيد أنه قضى به علما، وأوجده بقدرته وإرادته خلقا، فإن الله خالق كل شيء من خير وشر، ونفع وضر، وطاعة ومعصية».
قال ابن عطية: «و{جَعَلَ} في هذه الآية لا يتجه أن تكون بمعنى خلق الله؛ لأن الله تعالى خلق هذه الأشياء كلها؛ ولا هي بمعنى صير لعدم المفعول الثاني، وإنما هي بمعنى ما سنّ ولا شرع، فتعدت تعدي هذه التي بمعناه إلى مفعول واحد».
قال ابن عاشور: «والجعل هنا بمعنى الأمر والتشريع، لأن أصل «جعل» إذا تعدى إلى مفعول واحد أن يكون بمعنى الخلق والتكوين، ثم يستعار إلى التقدير والكتب كما في قولهم: فرض عليه جعالة، وهو هنا كذلك، فيؤول إلى معنى التقدير والأمر بخلاف ما وقع في قوله: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس} (المائدة: 97)؛ فالمقصود هنا نفي تشريع هذه الأجناس من الحقائق فإنها موجودة في الواقع، فنفي جعلها متعين لأن يكون المراد منه نفي الأمر والتشريع، وهو كناية عن عدم الرضا به والغضب على من جعله».
قال ابن الجوزي: «قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} أي ما أوجب ذلك، ولا أمر به».
والله تعالى أعلى وأعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *