مشاهداتي في “ضريح بويا عمر” حيث الخرافة تؤسس وهم العلاج الحلقة الأولى محمد القريفي

بداية ينبغي أن ألفت انتباه القارئ الكريم أنني وجدت صعوبة كبيرة في كتابة هذا التحقيق عن ضريح بويا عمر الذي اشتهر بين المغاربة بأنه مأوى المجانين والممسوسين والموسوسين، فما إن وطئت قدمي عتبات الضريح، حتى وجدت الأعين تترصد كل إنسان غريب عن المنطقة، مخافة أن يندسَّ بين الزائرين أحد الصحفيين الفضوليين.

من هو بويا عمر وما هي صفة حفدته (سدنة الضريح)؟
على بعد 30 كيلومتر من مدينة قلعة السراغنة يوجد ضريح “بويا عمر” أشهر أماكن العلاج الشركي والخرافي في المغرب، حيث تعقد “محكمة الجان الكبرى” حسب زعم حفدته.
وحسب تقديرات الباحثة المغربية خديجة نعموني التي أنجزت أطروحة دكتوراه في الأنثربولوجيا الاجتماعية حول “بويا عمر” فإن هذا الولي قد يكون ولد خلال العقدين الأخيرين من القرن 16 الميلادي، ولكن الغريب أنه على شهرته الذائعة الصيت، لا تذكر الأخبار المحلية أي تفاصيل عن طفولته وشبابه، وكل ما يتداول عنه يهم فقط مساره التعليمي وتصوفه بشكل موغل في الخرافة.
فقد بقي “بويا عمر” أميا إلى حدود سن الأربعين ثم شد الرحال إلى زاوية تامكروت الناصرية على ضفاف نهر درعة (جنوب المغرب)، وهناك تتلمذ على يد مؤسسها سيدي محمد بن إبراهيم الأنصاري، وراكم من الكرامات ما جعل شيخه يورثه “دربالته” (أي لباسه الزاهد المرقع)، وبفضلها تمضي الخرافة قائلة: “حوَّل “بويا عمر” رمل الصحاري إلى حبات قمح، وأظهر في طلب العلم نبوغا غير مسبوق، بحيث استوعب من علوم الباطن والظاهر وأصول الدين، خلال شهر واحد ما يكتسبه غيره من طلاب العلم بالزاوية الناصرية في أربعين عاما من الكد والجد.
ويروي أهل الخرافة أنه اجتمع في زمن غابر “ديوان الصالحين”؛ المؤلَّف من أربعة وأربعين وليا من كبار أولياء المغرب، كي يوزعوا بينهم التخصصات والكرامات! فقر قرارهم بإجماع “الديوان” على أن يمنحوا لواحد منهم، هو الولي “بويا عمر” مطلق السلطات على قبائل الجان، وفوضوا إليه المهام الشاقة المرتبطة بالفصل في النزاعات والصدامات التي تحدث بين عالمي الإنس والجان منذ بدء الخليقة وإلى أن يشاء الله!! فكان اجتماع ديوان الصالحين ذاك إعلان نشأة محكمة الجان الكبرى التي تعقد في صحن الضريح، وورث من بعده حفدته بركة محاكمة الجن وصرعهم وطردهم من جسد الممسوس.
وفي هذا الكلام من الخرافة ما لا يصدقه صاحب عقل بله مسلم عنده من الضوابط والقواعد الشرعية ما يرفض ذلك، بل هذه الخرافات هي من وضع الدجالين الذين يريدون أكل أموال السذج بالباطل فينسجون مثل هذه الخرافات والضلالات ليضفوا على شعوذتهم شيئا من التقديس والشرعية..

أثر التحقيق الصادم الذي بثته القناة الأولى حول “ضريح بويا عمر”
بثت القناة الأولى تحقيقا صادما حول الضريح، حيث عمل على كشف وتعرية ما يدور في كواليسه، وإن كنا نؤاخذ على هذه القناة وغيرها من الوسائل الإعلامية التي تصدت لمقاربة ظاهرة الأضرحة بالمغرب، أنها تبقى لحد الآن دراسات سطحية لم تنفذ إلى عمق الإشكال، حيث ركزت على ما يجري فيها من انتهاكات لحقوق الإنسان، وهذا أمر مطلوب ولا غبار عليه، لكنها غضت الطرف عن الحديث عما يجري فيها من مخالفات عقدية تنتهك فيها جهارا نهارا حقوق الرحمن قبل حقوق الإنسان.
وبسبب ما خلفه التحقيق من الضرر الجسيم حسب تعليق أحد المنتسبين إلى “جمعية حفدة الشرفاء” من قبيل استغلال القائمين على الضريح للتبرعات والهبات التي يتلقونها، واستعمالها في غير محلها للاغتناء الشخصي، وإنزال أنواع من التعذيب بالمريض..، فقد عزم حفدة “بويا عمر” رفع دعوى قضائية ضد فيصل العرايشي مدير القطب العمومي، الذي طالبوه بتقديم اعتذار مباشر، وببث برنامج آخر بنفس المدة الزمنية قصد محو الآثار التي خلفها برنامج “45 دقيقة”.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن سدنة ضريح بويا عمر (حفدته كما يزعمون) لهم الجرأة بسبب نوع من الحصانة الأمنية على الدفاع عن معقلهم الشركي بكل ما أوتوا من قوة، حتى لو اقتضت الضرورة استعمال القضاء لإرغام من يحاول المساس بـ”مقدساتهم”، ويجرؤ على فضح مشروعهم الخرافي الشركي العفن.

اعتداء حراس “ضريح بويا عمر” على كل من يحاول فضح مشروعهم الخرافي الشركي
بلغت الجرأة بالقائمين على الضريح إلى حد التعدي على من خولت له نفسه تصوير نزلاء وزوار وطقوس الضريح حتى لو كان أجنبيا، فقد تعرض ثلاثة صحفيين إسبان صباح يوم السبت 8 نونبر 2008م للاعتداء بالهجوم عليهم رميا بالحجارة من طرف الحفاظ (الفئة المكلفة بحماية النزلاء) وهم يريدون القيام بمهمة صحفية بالضريح، ثم قاموا بنزع كاميرا تصوير الصحفيين وتهشيمها برميها على الأرض بقوة، فضلا عن السب والشتم بكلام بذيء، كما طلب الحاج عمر عضو جمعية الشرفاء من الصحفيين الإسبان الرحيل، وأخبرهم بأن بطاقة الصحافة ليست كافية للقيام بعملية التصوير لأماكن خاصة.
في هذا الجو المشحون بالإرهاب القانوني والعضلي الذي يمارسه حراس “ضريح بويا عمر”، يصبح الدخول إلى هذا الضريح بغية كشف وتحقيق ما يجري داخله مغامرة غير مأمونة العواقب، وتتطلب نوعا من السرية والتكتم والحيلة، أما أن تصطحب معك كاميرا التصوير، فهذا من سابع المستحيلات، وقد يعرضك للعقاب إن أنت أصررت على ذلك كما حصل لأولئك الصحفيين الإسبان.
عندئذ قررت أن ألج بوابة الضريح، عاقدا العزم على التصوير خلسة، لكن رجلا ضخم الهيئة يتأبط بذراعيه صندوق النذور، الذي يضع فيه الزوار مبلغا ماليا بمجرد انتهائهم من الزيارة، بدأ يتابع تحركاتي، ولم تفارقني عيناه الجاحظتين لحظة، وحرصا مني على عدم استفزازه استأذنته في التقاط بعض الصور للقبة والضريح، فوجدت منه الرفض القاطع، مذكرا إياي بمضمون اللوحة التي علقت على باب الضريح والتي تفيد منع استعمال أية كاميرا أو هاتف نقال للتصوير.

مشاهداتي في “ضريح بويا عمر”
وهنالك شاهدت بعيني ما لا يقبله مسلم عنده مسكة من عقل، وجدت ما استنكره هدهد سليمان على بلقيس وقومها وهم يعبدون الشمس من دون الله، قال ربنا جل في علاه: “وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ”.
­ شاهدت صنفا من الزوار يخلعون نعالهم خارج القبة، وبعضهم يخلعها أمام عتبة الضريح احتراما لصاحبه، فمن البديهيات عندهم أن القبة كالمسجد عند من يمتنع عن دخوله بالنعلين.
­ ثم يتبركون بالضريح والقبة بطرق شتى، فمنهم من يقبل الأركان الأربعة للقبر، ومنهم من يتمسح به ثم يمسح على جسده وملابسه، ومنهم من يطوف بالقبر كما يطوف الحجاج حول بيت الله الحرام في جو مهيب تتخلله أجواء من السكينة والخشوع.
­ سمعت الزوار يدعون المقبور بويا عمر ويستعينون به ويلحون عليه في الدعاء، وأن يخلصهم من الجن الذي تسلط عليهم..
­ شاهدت بعض الزائرات يلتزمن القبر داخل القبة، ويصحن عنده ويجأرن به، ورأيت من تسجد وهي مستقبلة القبة نسأل الله السلامة.
­ سمعت أن بعض الزوار يعتكف عند ضريح بويا عمر أياما وشهورا وسنينا، التماسا للشفاء أو لقضاء حاجة من حوائجه، وقد ألحقت بالضريح غرف انتظار الزائرين لهذا الغرض.
أطفال صغار يقيمون برفقة أمهاتهم المريضات، وأمهات انقطعن عن حياتهن الاجتماعية إلى جانب الأزواج من أجل البقاء مع بناتهن المريضات، ومجتمع من المرضى وذويهم التفوا بالضريح، فالمرض والأمل في العلاج واستغلال سدنة الضريح يجعل المدة تطول..
­ شاهدت في فناء الباب الموالي للقبة مباشرة، جماعة من الرجال ­علمت فيما بعد­ أنهم أحفاد بويا عمر، يفترشون الأرض ويحتسون كؤوس الشاي، وأعينهم تترصد الباب، في انتظار فريسة تجود عليهم ببعض المال، وحالما دخل جماعة من الرجال والشباب زاغت الأبصار، وتم تحريك الشاي للضيوف معبرين عن فرحتهم وسرورهم بهذه الزيارة، التي ينتظرون من خلالها سخاء الزائرين.
­ شاهدت بأم عيني بعض الشباب المتعلم للأسف يطوفون بالضريح، ويقبلون أعتابه ابتغاء نيل بركاته تماما كما تطوف النساء العجائز، وهذا يبين بحق أن مناهج التعليم عندنا لا تُعنى بتوضيح العقيدة الصحيحة، لذا فشلت في أن تزيح ما ترسب من عادات وتقاليد شركية في ذهن هؤلاء المتعلمين.
­ سمعت عن استمرار ظاهرة النزلاء الذين يقيدون بالسلاسل خفية، بحجة أن ذويهم هم من يفعلون ذلك خوفا عليهم من الهرب، وإذا ما هربوا تحجج سدنة الضريح بأن الجن من يجعلهم يهربون..، وفي رواية أن تلك السلاسل بها من البركة ما يجعل الممسوس يرجع إلى هدوئه إذا قيد بها..
– ومن الطقوس الرسمية المعروفة -التي لم أشاهدها لصعوبة الاستمرار في التتبع-: شرب الماء الساخن من طرف أحد حفدة بويا عمر بعدما يجتمع من في الضريح صغيرهم وكبيرهم، ثم يرشون عليهم ذاك الماء الساخن قصد البركة ودفع ما بهم من مس ومرض..
وختاما نوجه دعوة للقائمين على الأمن الروحي للمغاربة، السادة العلماء في المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجالس العلمية الإقليمية والرابطة المحمدية وغيرها من المؤسسات الدينية أن يهبوا لاجتثاث منابع الشرك التي تفسد الروح، وتخسف توحيد قصد العبد لمولاه، وتجعله بلا أمن روحي (بل ولا البدني أحيانا) فيتعلق بالخرافات وأكاذيب الدجالين الذين يستغلون تبني وزارة الأوقاف لمشروع إحياء الأضرحة والمواسم البدعية التي صار بعضها ملجأ للمنحرفين والمشعوذين والمثليين (ضريح سيدي علي بن حمدوش) ليأكلوا أموال الناس بالباطل..، والمخالفات التي تقع في هذه الأضرحة والمواسم غير خاف، وهو أمر غريب يجعل المرء يتساءل عن الأسباب التي تجعل القائمين على الشأن الديني في المغرب لا يواجهون هذا الشرك في عبادة الله، وهاته الخرافات التي تخالف الإيمان والعقيدة الصحيحة؟
فإذا لم يكن السجود لغير الله، والذبح لغير الله، والاستغاثة بغير الله، والنذر لغير الله، ودعاء غير الله.. شركا؟
فليس هناك شرك في الوجود.
أتوقف عند هذا الحد، محيطا علم القارئ الكريم بأنه سيكون موضوع الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى مشاهداتي في ضريح سيدي رحال البودالي.
وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *