الحياة الطيبة من أجل فوائد الاستقامة على شرع رب البرية

من المقرر أن للاستقامة على دين الله تعالى وشرعه فوائد جمة؛ فمنها فوائد عاجلة في الدنيا، وأخرى في الآخرة، ومنها ما هو عند الممات، نسأل الله حسن الخاتمة.

ونقدم في هذه الكلمات الوعظية الحديث عن فائدة دنيوية جليلة؛ لأن النفس جبلت على حب العاجل كما ذكر ابن القيم رحمه الله: “والنفس مجبولة على حب العاجل”، وهي:
الحياة الطيبة:
وما أدراك ما الحياة الطيبة؟! إنها السعادة الحقيقية لا الوهمية، إنها سعادة الروح، وصفاء النفس، والأمن في النفس والأهل والمجتمع؛ قال تعالى: (أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).
إن كثيرًا من الناس ذهب ذات اليمين والشمال باحثًا عن السعادة! أنفق الأموال وضحى بحياته بل وباع أهله وكل ما يملك!! ينشد السعادة فلم يجدها! بحث عنها في الحلال والحرام، بحث عنها في المال، في الشهرة، في المسكرات والمخدرات، في الزنا واللواط والسحاق، في القصور الفاخرة والسيارات الفارهة!! فهل وجدها؟!
وكم سمعنا من أحوال هؤلاء، فلما استفسروا: لماذا كل هذا؟!
يقولون بحثًا عن السعادة!
أقول لهؤلاء: ماذا عملت من أجل ذلك؟!
يقول: إنه باع أهله، وطلق زوجه، وترك أولاده، ودخل في عالم بل جحيم المخدرات والمسكرات بحثًا عن السعادة، والحياة الطيبة الوهمية كما يظن، ولكنه لم يجدها! ولم يحصل عليها! كما هو حال الكثيرين!
أحدهم أنفق الملايين على زواجه، وأمات ليلته بالمغنيين والمغنيات في ليلة زفافه، ولكنه لم يسعد في زواجه؛ بل طلق زوجته بعد مدة يسيرة!!! والأمثلة كثيرة جدًا!!
فهل وجدوا السعادة؟! والجواب معروف عندك -أخي القارئ- جيدًا.
السعادة كل السعادة، والحياة الطيبة في طاعة الله عز وجل، ومن ذاق عرف، ومن جرب طعم الطاعة وحلاوة الإيمان علم ذلك جيدًا!
واقرأ معي -أخي الحبيب- هذه الآيات بتدبر وتمهل وتمعن وخشوع وتعقل لمعانيها، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً).
إذًا: إيمان صادق مع عمل صالح، والنتيجة :حياة سعيدة طيبة!
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)؛ أي: لما فيه حياتكم وسعادتكم الحقيقية، ولا يكون ذلك إلا بالاستجابة لأمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، بل من أعرض عن ذلك فليس بحي؛ بل هو ميت وإن لبس الثياب، وركب السيارات، ومشى على الأرض!
قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ)؛ أي: بالقرآن والسنة والطاعة ونور الإيمان، ثم يقول سبحانه وتعالى: (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)؛ فهذه الروح لا بد لها من غذاء، وغذاؤها القرآن، ولذا سماه الله روحًا، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا)، ولا بد لها من نور تهتدي به وتسعد وتسمو، ولهذا وصفه الله بقوله: (نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ).
قال الله تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)، قال ابن عباس: “تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل به أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة”.
وقال تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ)، فالمستقيم منشرح الصدر مهما كان فقره، ومهما قلَّت معيشته وموارده، فسعادته في قلبه السليم، وصدره المنشرح، وهذا يعدل الدنيا كلها بل أكثر؛ ولهذا يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام عن المؤمن: “من أمسى آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها” صحيح، وهذه القناعة لا تكون إلا عند صاحب الإيمان المستقيم على شرع الرحمن؛ بخلاف غيره صاحب الجشع والطمع، ولهذا أهل الاستقامة يعيشون في نعمة عظيمة وسعادة جليلة يعبر أحدهم عنها بقوله: “نحن في نعمة لو علم بها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف”، ويقول الآخر: “لئن كان أهل الجنة في مثل ما نحن فيه، إنهم لفي خير عظيم”. والآخر: “يبكي فرحًا لما هو فيه من سنة وترك للبدعة”.
وما أجمل تلك العبارات السلفية التي صدرت من التابعي الزاهد العابد التقي الحسن البصري رحمه الله الذي قيل: إن كلامه يشبه كلام الأنبياء، عندما قرأ قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) إلى قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]؛ أي استقام على الإيمان والعمل الصالح.
قال الحسن البصري رحمه الله: “هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة خلق الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين. هذا خليفة الله”؛ فهو ولي الله كما قال تعالى: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ) [فصلت: 31]، وما أدرك من هو ولي الله؟!
يقول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه جل وعلا: “من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب” البخاري.
فماذا تريد بعد ذلك؟!
ولا تعليق على هذه الكلمات النيّرة في وصف المستقيم على شرع الله الداعي إليه؛ ولكن من هو الولي! قال تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ). نسأل الله من فضله.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *