نيل المنى

لعلمه بأنه المسبــب ** لكل ما عن سبب يسبب
وأنه اجرى بذاك العادة ** مبتليا بمقـتضى الارادة
وانه يخرقها ان شـاءا ** كرامة منه او ابتــلاء
ثم انتقل إلى ذكر حال أهل المرتبة الثالثة وحكمهم فقال «و» منهم أي هؤلاء الذين لا يلتفتون إلى الأسباب «داخل في» كسب وتحصيل كل «سبب أتاه بحكم» ومقتضى «إذن الشرع» له في ذلك «لا» بحكم ولا باعتبار ما «سواه» من الأمور الأخرى ـ كالقصد إلى تحصيل الأسباب والمسببات في ذاتها ـ وبذلك «فهو ملب» أي مستجيب «فيه» أي في إتيانه بالأسباب على هذا الحال «قصد الآمر» في ذلك السبب، وهو الشارع «مجردا عن» التعلق بغير ذلك الإذن، وعن النظر إلى «كل» يعني عن أي «شأن» أمر «ظاهر» أي مدرك بالحواس محدث، وإنما التفت إلى الإذن وقصد الآمر منه «لعلمه بأنه » أي الآمر هو المسبب أي الموجد حقيقة «لكل ما عن سبب يسبب» أي ينشا، ويوجد «وأنه» تعالى إنما «أجرى بذلك» وهو حصول المسببات عن أسبابها «العادة» حتى اطردت في الخلق «مبتليا» بذلك خلقه وممحصا لهم، وذلك «بمقتضى» وحكم «الإرادة» أي إرادته ـ سبحانه ـ «و» لو شاء لم يجرها كما «أنه» قد «يخرقها» فيمضي حالها على غيرما هو معهود فيها «إن شاء ا» ـ الألف للإطلاق ـ «كرامة منه» ـ سبحانه ـ لأوليائه «أو ابتلاء» واختبارا لخلقه ليعلم المتعظ بذلك منهم والمعتبر من سواه، ومن كان من أهل هذه الرتبة في شأن الأسباب.
فذا قد توخى فيه القصد الشارع ** دون التفات غيره في الواقع
فهو ذا مطلب عن سبـــب ** مسببا لكن من المسبـب
«فذا» قد «توخى» أي قصد وتحرى «فيه» أي في هذا الذي هو عليه «قصد الشارع» سبحانه في شأن الأسباب والمسببات «دون التفات» يعني من غير اعتبار «غيره» مما سوى ذلك «في الواقع» من المحدثات وأحوالها كنشوء المسببات عن الأسباب وترتبها عنها، وإنما قصد ما قصده الشارع من وضع الأسباب والمسببات ـ كما تقدم ذكره ـ «فهو إذن» أي إذ قصد ما ذكر «مطلب» ـ بكسر اللام ـ من اطلب بمعنى طلب ـ «عن» كسب «سبب» وبواسطة «مسببا» يحصل عنه عادة «لكن» لم يطلبه من السبب بل لم يلتفت إليه في ذلك، وإنما طلبه من المسبب ـ بكسر الباءـ أي الخالق -سبحانه-.
المسألة السابعة
وما أتى النهي عن الدخول ** فيه من الأسباب في المنقول
فواضح فيه انحتام الطلـب ** شرعا برفع ذلك التسبب
«المسألة السابعة»
في أن النهي عن الدخول في سبب ما يقتضي طلب رفع التسبب به، سواء كان علينا أكان المتسبب قاصدا لوقوع المسبب أم لا فإنه يتأتى منه الأمران: فقد يقصد بالقتل العدوان إزهاق الروح فيقع، وقد يقصد بالغضب انتفاعه بالمغضوب فيقع على مقتضى العادة لا على مقتضى الشرع، وقد لا يقع البتة، وقد يعزب عن نظره القصد إلى المسبب والالتفات إليه، لعارض يطرأ غير العارض المتقدم الذكر؛ ولا اعتبار به، وإن كان غير منهي عنه فلا يطلب رفع التسبب في المراتب المذكورة كلها.
قال الناظم: «وما أتى» عن الشارع «النهي عن الدخول فيه» وكسبه «من السباب » كالغضب والسرقة لتحصيل الانتفاع، والزنى لتحصيل الاستمتاع، وغير ذلك مما ورد النهي عنه «في المنقول» نصوص الكتاب والسنة «فواضح» أي جلي بين «فيه» أي في حال ذلك المنهي عنه بمقتضى ذلك النهي ودلالته أنه قد ثبت به «انحتام» أي لزوم «الطلب شرعا» وقوعه «برفع ذلك المسبب» -مصدر ميمي- يعني التسبب وبيان كلامه: أن الشارع إذا نهى عن سبب فإن ذلك يقتضي وقوع الطلب منه بوجوب رفع التسبب بذلك السبب مطلقا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *