الشّباب والتربية على القيم ذ: عبد الواحد المسقاد

 

 

تُشكّل فئة الشباب العمود الأساسي والمرتكز الحيوي الذي ينبني عليه المجتمع؛ حيث لا صلاح للمجتمع إلا بصلاح شبابه، فالاهتمام بمختلف جوانب حياة هذه الفيئة العمُرية، تظل مسألة ذات أولوية؛ حيث إصلاح الشباب وتثقيفه يعد أهم رافعة للتنمية بمختلف أبعادها، فكثيرا ما يروج في الأوساط الإعلامية ومنابرها الحديث عن الشباب، دون إيلاء الأهمية القصوى للجانب القيمي في حياتهم، فهذا الأخير يعد لبنة أساسية وجوهرا حقيقيا؛ حيث لا نهضة ولا رقيّ إلا بأن يكون هذا الشباب حاملا لمشعل القيم والمبادئ يؤمن بها ويدعو إليها ويترجمها في سلوكه.

إن إعداد جيل حامل لقيم ومتشبع بثقافة راسخة، يعد مدخلا حقيقيا لكسب رهان التطور والتنمية، ولن يتأتى ذلك إلا بوضع استراتيجية وخطط مندمجة من لدن الفاعلين والمسؤولين عن الجانب التربوي، وقطاع الشباب، وكذلك أيضا مختلف الفعاليات في المجتمع، كل من موقعه وحسب الإمكانية المتاحة لديه؛ لكفيل بأن يخرج الشباب من براثن الانحلال الأخلاقي ودائرة التقاعس والتشاؤوم من المستقبل، وبث في الشباب روح المسؤولية وعدم الاستهتار واللامبالاة.

فمعظم شبابنا يُلَقّنون تكوينا سطحيا، لا يسعفهم في التحلي بالمسؤولية، والشعور بكينونتهم والإحساس بوجودهم، مما ينتج عن ذلك صعود أجيال شبه فارغة معرفيا وقيميا، بحيث إذا وضعت في مراكز القرار، لا تواكب مختلف القضايا المجتمعية الراهنة، ولا تساير حركات الزمان، فإيقاعها يمرّ ببطء وتعثر، والواقع أن هناك خللا بنيويا عميقا وقصورا حادّا، كل ذلك ناجم عن إهمال الدور المحوري للشباب في المجتمع.

إن تراجع القيم لدى شبابنا يشكّل عائقا كبيرا خاصّة لدى المربّين والمدرسين، وأمرا مطروحا للنقاش، بين الباحثين والمؤلفين في علمي التربية والنفس، ولعلّ أبرز عوامل ضعف القيم والأخلاق لدى الشباب تتجلى فيما يلي:

غياب دور الأسرة:

الأسرة  فقدت هيبتها ورعايتها في حضانتها للإبن والاعتناء به منذ طفولته، على المستوى النفسي والصحي والاجتماعي والتربوي، لقد تخلّت الأسرة عن دورها الرئيسي وأصبح الإبن يقضي جلّ أوقاته خارج حضن الأسرة دون رقابة ولا اكتراث له، فما ذا تتوقّع من الإبن العاقّ لوالديه، أن يفعل خارج أسوار منزل أسرته..؟

غياب دور المؤسسة التعليمية:

أصبح دور المؤسسة التعليمية مقتصراً فقط على تلقين الطفل المعرفة، مجرّدة من القيم، لقد غاب الدور الحقيقي الذي تضطلع به مؤسساتنا التعليمية. والسبب، هو إسناد المناصب الإدارية والتربوية، إلى من ليس لها بكفء، بالإضافة إلى عدم توفّر مدارسنا على خبراء مختصين في الدراسات السلوكية؛  لرصد تعثرات المتعلّمين، والوقوف على احتياجاتهم، وتشخيص سلوكاتهم من قبل المختصّين؛ ليكونوا أفضل في المستقبل.

عوامل البيئة المحيطة:

وهذا الأمر لا يقلُّ شأنا عمّا سبق، فالإنسان بطبعه اجتماعي، يحبّ الاختلاط مع الناس وتبادل الحديث معهم والوقوف على أعرافهم، حينها يحصل التأثير، فإن كان المحيط البيئي الذي يقطنه الشاب محيطا فاسدا، فإنّ هذا الشاب سيكون من نصيبه الانسياق وراء ما يجري في محيطه من أعراف وعادات سواء كانت حسنة أم سيّئة على السواء.

ولا أدلّ على ذلك من بعض الظّواهر الخطيرة التي بدأت تغزو مجتمعاتنا فأصبح العنف المتبادل ظاهرة عويصة تكتسح جلّ المرافق؛ حيث صرنا نسمع بكثرة العنف المتبادل بين أنصار الفِرق الرياضية في كرة القدم، أمّا في مدارسنا فتفاقم الأمر بشدّة؛ حتى وصل الأمر بإلحاق السب والشتم والعنف الجسدي بالمعلم والأستاذ والمسؤول الإداري، إضافة إلى ما أضحت عليه شوارعنا من سماع ألفاظ نابية وسلوكات مقيتة.

إن الحلّ الأنجع والسّبيل الأمثل، للحدّ من تفاقم هذه الظاهرة، هو أن تقوم الأسرة بدورها الذي يتجلّى في احتضان الأبناء ورعايتهم على المستوى النفسي والاجتماعي والتربوي منذ الصغر، وتربيتهم على القيم والمبادئ وتشبّعهم بها.

فالطفل الذي يترك خارج أسوار بيت الأسرة، يصاحب من يشاء دون رقيب لا محاسب، سيكون بالتأكيد ضحية، نتيجة التأثير والانحراف.

وكذلك أيضا لا نغفل دور المؤسسة التعليمية، من تلقين الطفل القيم والأخلاق وتحبيبها  إليه، ورصد اختلالاته وتعثراته، والوقوف على حالته النفسية والاجتماعية، مع التفكير في الحلول الناجعة ليرتقي إلى الأفضل.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *