لقد عجت الساحة المغربية بمهرجانات الموسيقى والرقص والاختلاط والعري، والخمر والمخدرات، وكان أشهرها مهرجان “موازين”، الذي استضاف العرب والعجم وخصصت له ميزانية ضخمة بلغت 22 مليون درهم.
فيم تصرف وتستثمر الأموال؟
لماذا تصرف الأموال في مهرجان “موازين” الناسف الأخلاق، ولا تصرف “لموازين” منظومة التربية والتكوين !
لماذا لا يتكلم المسؤولون عن ضخامة الميزانية المخصصة لهذا اللهو كما صدعوا أسماعنا بالمبالغ “الضخمة” المرصودة لأجور المدرسين!
إن قرار المجلس الأعلى للتعليم اعترف بأن سبب التأخر في التكوين المستمر للمدرسين يرجع: “بالأساس، إلى ضعف الاستثمار في تكوين وتطوير قدرات المدرسين وباقي الفاعلين في المنظومة، فالميزانية المخصصة للتكوين المستمر بقطاع التعليم المدرسي لم تتعد 84 مليون درهم سنة 2007”.
أما: “نفقات التربية السنوية عن كل تلميذ، والتي تعد من أبرز المؤشرات على حجم استثمار الدول في التربية، لا تتعدى 600 دولار سنويا في المغرب، وهو معدل أقل بكثير من المعدلات المسجلة في بلدان أخرى مماثلة”. هنا يحق لنا التساؤل: كيف يسهل الحصول على أموال “موازين”، ويتعذر الحصول على نفس الأموال لتربية النشء؟ مع أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين أعلن أن “قطاع التربية والتكوين أولي أسبقية وطنية، بعد الوحدة الوطنية”.
أم أن هذا مجرد شعار، وأن الأسبقية الوطنية للمهرجانات، مهرجانات في القناتينن، وفي الشارع وفي المدرسة، ما هذه الهيستيريا؟
هل المهرجانات هي قاطرة التنمية؟
هل بالمهرجانات سيتبوأ المغرب سلم التقدم، ويسجل في عداد الأمم المتحضرة؟
هل بالمهرجانات سنصلح منظومة التربية والتكوين؟
انقلبت الموازين، واختلت المفاهيم، حتى أصبح المنكر معروفا، وأضحى المعروف منكرا.
أين الإعلام من هذا كله؟
من قال إن الإعلام غائب؟ إنه حاضر بكل ما أوتي من ترسانة، إلى درجة التنافس الشديد بين القناتين الأولى والثانية، ويتجلى ذلك بوضوح في التقارير اليومية المقدمة من كلتيهما، وكأن هذه التقارير تتعلق بأمر عظيم، دونه ستنهار الدولة، أتدرون أين يحضر هذا الإعلام الذي يسيطر عليه بنو علمان؟ إنه يحضر ليشيع هز الأرداف، ويذيع مزامير الشيطان.
إن الإعلام المغربي لا يهتم إلا بموازين وأمثال موازين من المهرجانات التي أصبح المغرب يعج بها على مدار السنة، ولو استثمر كل هذا المجهود الإعلامي لكان لمنظومة التربية والتكوين شأن آخر على الأقل على مستوى التعبئة والتوعية والتحسيس.
والمستغرب أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين عند ذكره للتعبئة الوطنية لتجديد المدرسة، لم يأت على ذكر دور الإعلام، ولو بإشارة طفيفة، أما تقرير المجلس الأعلى للتعليم فيقول عند حديثه عن التعبئة: “إن شركاء المدرسة والفاعلين فيها، بمن فيهم آباء وأولياء التلاميذ، والمدرسون والجماعات المحلية، لا تتدخل إلا قليلا للاستجابة لحاجات المؤسسة المدرسية”، فلم يشر هو الآخر إلى إهمال الإعلام لدوره في التعبئة، اللهم إلا إشارة خجولة في معرض كلامه عن الالتقاء الفعلي للإرادات من أجل إنجاح الإصلاح حيث قال: “ينضاف إلى التقاء هذه الإرادات، بروز وعي وطني بمختلف القضايا والرهانات المتعلقة بالمدرسة أو اتساع دائرة النقاش الوطني حول هذه القضايا والرهانات في مختلف القضايا التربوية، والسياسية، والإعلامية”.
إذن فحتى تقرير المجلس الأعلى للتعليم لم يؤكد على أهمية الإعلام في التعبئة والتحسيس، بل وحتى في التكوين المستمر للمدرسين، والتوجيه بالنسبة للتلاميذ.
ينضاف إلى هذا، الضعف الشديد الذي يتمتع به موقع وزارة التربية الوطنية، فكلما حاولت الولوج إليه، فأنت أمام أمرين لا ثالث لهما: إما ألا تفلح في الولوج، أو إذا ولجت تلفحك كثرة المذكرات، وأنشطة الوزير، ذكرا كان أم أنثى، التي لا تغني ولا تسمن من جوع؛ ويتحدثون عن التكوين عن بعد، وعن تكنولوجيا المعلوميات!
هذا هو مصير الأسبقية الثانية بعد الوحدة الوطنية، التي يبدو وكأنها تحولت من التربية والتكوين إلى المهرجانات بمختلف أصنافها.