منذ أيام قليلة أعلنت مجموعة مكونة من 32 عضوا في البرلمان التونسي ينتمون إلى حزب نداء تونس (حزب الأغلبية) انسحابهم من الحزب وهو ما يعني عمليا أن الحزب لم يعد هو حزب الأغلبية، وأن حزب النهضة أصبح هو حزب الأغلبية داخل البرلمان.
لكن هل الأمر بهذه البساطة؟ ما الذي يجري في كواليس هذه الحزب وأدى إلى انفجاره من الداخل؟ وما هو موقف الإسلاميين من تلك الأزمة؟
خلفيات انفجار الحزب:
أسس حزب نداء تونس سنة 2012م بقيادة الباجي قائد السبسي الذي ظل رئيسًا للحزب حتى فوزه بالانتخابات الرئاسية التونسية 2014 ويستقيل من منصبه.
وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة حصل حزب «نداء تونس»، على الأغلبية البرلمانية بـ86 نائباً، وفي الآونة الأخيرة انشق 32 نائبا برلمانيا من الحزب لينقسم إلى كتلتين بـ32 و54 نائباً على التوالي والتحوّل إلى الحزب الثاني في البرلمان بعد «حركة النهضة»، التي تملك 69 نائباً.
ورغم أن حزب نداء تونس منذ تأسيسه وهو خليط سياسي من فرقاء جمعتهم الرغبة في التكتل ضد حزب النهضة، إلا أن السبب الرئيس في حالة الانشقاق الأخيرة هو ما أعلنه نجل الرئيس (حافظ قائد السبسي) منذ أشهر ما سمي وقتها بالتيار التصحيحي، والهدف منه هو سيطرة نجل الرئيس على الحزب تمهيدا لتقلده منصبا سياسيا في محاولة للتوريث السياسي من بوابة الحزب الحاكم.
هذه هي قصة حزب نداء تونس وهي تكرار لحالة الديمقراطيات الهشة التي يصبح فيها العمل الحزبي والسياسي مجرد غطاء لتمرير التمسك بالسلطة وتوريثها للأبناء.
موقف حزب النهضة:
قام زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي بزيارة للقصر الرئاسي أعرب فيه عن دعمه للرئيس السبسي وللحكومة، وأوضح خلال الزيارة أن حزب النهضة لن يستغل الظرف السياسي ليحدث تغييرا في الحكومة وسيواصل دعمه للحكومة ويدعم حالة الاستقرار في البلاد.
ويعكس هذا الموقف من حزب النهضة خوفاً مبرراً من إدارة الحكم في مرحلة تعتقد «النهضة» أنها غير جاهزة له، وأن الظروف التونسية والإقليمية لم تنضج كفاية لتكون متقبّلة لإدارة إسلامية للحكم.
وتدرك «النهضة» بعد تجربة الترويكا أنها لم تكن مستعدة للحكم، في ظل اقتصاد تونسي ضعيف ارتهن منذ الاستقلال بدعم الاستثمار الأجنبي. وظلت تراقب بعد الثورة تجربة الترويكا بريبة كبيرة، وهي الآن تسعى إلى التقليص منها عبر خطاب أكثر عقلانية تروّج لنفسها من خلاله شريكاً مقبولاً للفضاء الأوروبي والدولي.
ومع عقلانية هذا الطرح ومنطقيته إلا أن ثمة جانباً آخر يفرضه السياق وهو موقف تلك الحكومة من حزب النهضة في حكومة التوافق التي انضم إليها حزب النهضة التونسي ولم يحصل الحزب إلا على مقعد واحد ضمن تشكيلة الحكومة حيث حصل زياد العذاري على منصب وزير التشغيل، في حين حصلت أحزاب أصغر بكثير على حصة أكبر في حكومة التوافق، التي تضم بالإضافة إلى نداء تونس الفائز الأكبر والذي لم يحصل على الأغلبية المطلقة لتشكيل الحكومة حزب النهضة، حركة آفاق تونس، الاتحاد الوطني الحر.
ولنا أن نلاحظ أن وزارة التشغيل هي الوزارة الوحيدة التي لا يستطيع أي وزير أن يحقق بها نجاحا ملموسا إذ أن عمله يعتمد في الأساس على عمل بقية الوزرات. بعكس وزارات أخري كالصناعة أو الزراعة أو الصحة الذي يستيطع الوزير أن يحقق قدرا معقولا من النجاح حتى في ظل حكومة أو نظام فاشل أو فاسد.
ـ قامت حكومة النداء المدعومة من النهضة بإعفاء أئمة النهضة من اعتلاء المساجد في تونس وكان من بين من تم إعفائهم وزير الشؤون الدينية في حكومة الترويكا السابق، والنائب الحالي عن حزب النهضة العجمي الوريمي.
ـ قامت حكومة نداء تونس بإلغاء كافة التعيينات لكافة المناصب الرفيعة في الدولة والتي تمت خلال فترة حكومة الترويكا (النهضة وحلفائها). وحتى على صعيد الحريات الشخصية -إن شئت أن تعدها كذلك- صرح رئيس الجمهورية التونسية أنه لا مكان للنقاب في الحياة العامة بتونس؛ وأن على النساء التونسيات المنتقبات الكشف عن وجوههن للمشاركة في الحياة العامة أو البقاء في منازلهن.
ـ تم إغلاق مراكز تحفيظ القرآن على مستوى تونس حيث أكد وزيرا المرأة والأسرة والطفولة ووزير الشؤون الدينية التزامهما وتصميمهما على مكافحة انتشار حضانات أطفال ووصفاها بأنها تأتي بتمويل وإشراف جهات سلفية وهابية متطرفة. جاء ذلك خلال اجتماع عمل بين الوزيرين التونسيين في إطار البرنامج الوطني لتطوير وإعادة تنظيم قطاع حضانات الأطفال ومدارس تحفيظ القرآن.
وتطرق الوزيران إلى انتشار ظاهرة ما تعرف بحضانات تحفيظ القرآن التي تديرها جهات سلفية خارج نطاق السلطة المركزية. وأكدا أن «إزالة» هذه المراكز غير القانونية تشكل نقطة مشتركة في برامج الوزارتين!!
فإذا كان حزب النهضة لا يريد أن يتصدر المشهد السياسي ويصبح في صدارة السلطة السياسية، لكن أليس من حقه أن يشارك بالقدر التي يتناسب مع وزنه وثقله السياسي، على الأقل حتى يكتسب الخبرة الكافية واللازمة التي تأهله لإدارة المشهد منفردا في اللحظة المناسبة حسب خطته، أو على الأقل ألا يتعرض أعضائه للتهميش والإقصاء وتغلق مدارسه وجمعياته ويوصف الحزب بأنه داعم للإرهاب في الإعلام ويتعرض لحملات شرسة من التشويه.
في حين يرى البعض أنها فرصة مواتية للإسلاميين على الأقل لكي يحصلوا على ما يتناسب مع قوتهم في الشارع. أما الدعم من دون ثمن فهذا يدفعنا للتساؤل: ما الهدف إذن من دخول المعترك السياسي إذا لم يكن الوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها على الأقل؟
أحمد عمرو