المحميات البشرية

تعتبر المحافظة على النبات والهواء والحيوانات إحدى أسس الدعوة للمحافظة على البيئة، وقد خصصت الدول الغربية هامشا كبيرا في منظومتها الثقافية لحماية المكونات المحيطة بالإنسان، بل وجعلته أحيانا من أولوياتها حتى كانت له منظمات وجمعيات وأحزاب.
فتبوأ موضوع الحفاظ على البيئة بذلك مكانة مرموقة في العقيدة العلمانية لأسباب عدة، منها إعطاء هذا النمط العقدي العلماني بعدا أخلاقيا وثقافيا ومجالا للدفاع وإنشاء التكتلات الحقوقية، مكتسبا بذلك زخما وزينة يساعد على تسويق العلمانية في المجتمعات الناشئة لدى العوام.
ولا يختلف اثنان في أهمية الحفاظ على محيط نظيف والاهتمام بالحيوانات، فالإسلام جاء بهذه المبادئ قبل أن يصل الرجل الغربي إلى التفريق بين أصوله البشرية وانتسابه لصنف القردة.
لكن الغريب والعجيب أننا نقلنا ثقافتهم وتوصياتهم المدعمة ونسينا أو تناسينا الاهتمام اللازم بالبشر قبل الغزلان والذئاب الوحشية.
والسؤال المطروح للمسئولين هو: كيف تسمحون لأنفسكم بإنشاء محميات للغزلان وأخرى للذئاب والطيور وتخصصون لها مساحات شاسعة، وتوفرون لها المأكل والمشرب ومن يحرسها؟ بينما لا يجد الإنسان الفقير موضع قدم في بلاده إلا بعد الدفع الفوري لثمن الأرض؟
أليس أبناء هذا الوطن أحق بأرضهم من الحيوانات؟
أليس للمجاز وللدكتور العاطل ولكافة فئات المجتمع أمتار معدودات في هذا الوطن؟
وهل سيفكر المسئولون يوما ما في إنشاء “محميات” بشرية تحتوي على سكن لائق ومتطلبات غذائية وتطبيب، أسوة بفصيلة الحيوانات التي تجد الأيدي الراعية؟
ألا يسعنا أن نعطي لكل متخرج جامعي هكتارا أو أكثر مجانا من أراضي الدولة ينشأ فوقها سكنا له ويبحث من خلاله عن وسائل تشاركية للاستغناء عن المطالبة بالوظيفة.
إن توزيع أراضي الدولة  -صوديا- على كبار “الفلاحين” بثمن رمزي 1000 درهم للهكتار الواحد سنويا، كان الأولى أن يخصص في نظرنا جزء منها للمعطلين من حاملي الشهادات، لأن من واجب الدولة أن تعطي جزء ولو ضئيلا من الممتلكات العامة لكل مواطن من أجل العيش الكريم.
وفي هذا السياق سوف أحكي لكم قصة طريفة حدثت لي قبل أيام وأنا عائد إلى البيت منهكا بعد يوم من العمل، فأردت اختصار الطريق مرورا عبر أرض خصصت للعشب الأخضر المزين بالورود وسط المدينة، وإذا بشرطي المرور ينادي علي لينبهني بعدم المرور فوق هذا العشب للحفاظ على البيئة والمظهر اللائق، فقلت في نفسي سبحان الله كيف تبدلت الضوابط في بلادنا…
نعم إن الشرطي محق في هذا الأمر، لكن أليس من الأولى أن يكلم أيضا الفتاة التي كانت تمر في نفس الوقت شبه عارية يدها بيد عشيقها أمام الملأ؟
أليس الأولى أن نكلم الشاب الجالس على الرصيف الذي يشرب سيجارته الممزوجة بالمخدرات؟
أليس من الأولى أن ننبه من يتلفظ بالكلام الساقط في الشارع العام؟
أي تلوث أخطر على الأمة؟
تلوث الديانة والأخلاق أو تلوث النبات والهواء؟
أليس من الأولى أن نبحث عن حل لمن يسكن تحت الصفيح وسط القمامة ومجرى المياه الملوثة؛ ونضع حلا للتعري والاختلاط عند الشواطئ..؟
إن ثقافة حماية البيئة تمر أساسا عبر حماية البشر من الأمراض التي لا يجد الكثيرون سبيلا لشراء الأدوية لعلاجها، وتوفير الحد الأدنى من العيش الكريم ليصل الفرد إلى إصلاح عقيدته وعلاقته بخالقه… وأهم مخلوق عند الله هو الإنسان وأهم ما في الإنسان عقيدته، فالحفاظ على الدين قبل النفس والعقل والمال والولد، بعدها، يأتي في الترتيب بعيدا عنها كل البعد الحفاظ على الحيوان والنبات…فمتى نرد الأمور إلى نصابها؟ ومتى توزع خيرات البلاد على العباد قبل البهائم؟ ومتى تصحح الأخلاق والعقيدة قبل بيان طرق المشي في الطبيعة؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *