تقديم:
معركة جهاني المتحدث عنها في هذا التقرير، أبانت للفرنسيين المحتلين للجزائر، بأن الأراضي المغربية في الساورة، وبشار ولقنادسة وغيرها لن يُسْكَت عنها، وأن الحدود المفتوحة في اتفاقية لالة مغنية، لن يُسْمح فيها لفرنسا ضمها للجزائر بدعوى التهدئة، وهو ما لخصه برلماني وهراني بقوله:
بناء على مؤتمر كلمبشار لبحث مسألة الحدود المغربية الجزائرية، والتي لا يخول للعسكريين اتخاذ إجراءات فيها، تقرر القيام بطلب القوات المغربية مشاركة القوات الجزائرية في تهدئة المناطق الشرقية المغربية جنوب وهران، والتي تريد فرنسا، جعلها جزائرية، طبقا لبروتوكول 1901، المرفوض رسميا وشعبيا، والذي نتج عنه هذه المعركة وغيرها، مبينا بأن أمن الجزائر من أمن المغرب، وهو ما جعل البرلمان الفرنسي لا يهتم بهذه المعركة الخطيرة، التي أبيدت فيها فرقة كاملة، من القوات الفرنسية، على التخوم المغربية.
** كلمات دالة:
الزهرة السامة، تافلالت، جيش، آيت حمو، أرفود، لحمادة، واد زيز، لمريجة، لعبادلة، بلقاسم النكادي.
** نص التقرير:
حادثة مأساوية أخرى، كارثية بالنسبة لنا، وقعت في الحدود الجزائرية المغربية، بالجنوب الأقصى، بالقرب من (الزهرة السامة) بتافلالت.
في 18 أكتوبر 1929 أعلنت وزارة الحرب في بيان صحفي موجز ما يلي:
في 14 أكتوبر، وقع اشتباك عنيف، جنوب الجزائر، بين جيش مكون من 150 بندقية، ينتمي لأيت حمو، ومفرزة مكونة من قوات غير نظامية، مدعومة بفرقة لفيف محمول؛
وقد استطاع ذلك الجيش، التوغل في أراضينا، بالرغم من أن مركز المراقبة بأرفود، أعلم بتحركه، إلا أن سيره الحثيث الجاد، الرامي لإنجاح مسعاه، في أن يُهَاجَم بأطراف جهاني، على بعد 120 كلم شرق أرفود، ولما اقتربت منه المفرزة المطاردة، التف عليها في أحد الأودية، وقطع عليها خط الرجعة، وفرض عليها، معركة ضارية، تكبدت فيها خسارة فادحة، تمثلت في 50 قتيلا من اللفيف، و21 جريحا من المخزن، وترك الجيش عددا من القتلي في الميدان.
تم تقديم تفاصيل المعركة نفسها من قبل (depeches d’Orane) التي أفادت بنقل جريحين بالطائرة، أحدهما الكابورال شيف (كينتزجير) الذي وسم بالوسام الحربي؛ وقد أفادت (Agence Havas) من الرباط بما يلي:
وصلت للرباط معلوما مدققة، حول المعركة التي جرت بين القوات الجزائرية بكلمبشار، وجيش آيت حمو مؤكدة على النقط التالية:
في 14أكتوبر، تم إرسال إشارة، بأن جيشا مكونا من 150 بندقية، قد رصد من قبل مراكز مراقبتنا، يتحرك في لحمادة، قادما من تافلالت، متجها نحو ناحية الجزايريين بمريجة كير.
قوات ناحية كلمبشار وضعت في حالة تأهب، ووجهت للبادية، لتدخل بين الفيلق المحمول المتمركز في الجزائر، والجيش المتواجد في ناحية الحدود، في غضون الإشتباك العنيف الذي دام أربع ساعات، سقط لنا حوالي 50 رجلا بين قتيل وجريح، لكن الجيش فرض عليه القتال عند انسحابه، بسبب تدخل القوة المغربية، المشاركة في السرية الصحراوية، بواد زيز، وسرية اللفيف الأجنبي.
بدأت المفرزة الغربية الجزائرية، في ملاحقة الجيش، الذي انعطف بسرعة إلى لحمادة، مثقلا بأحمال الجرحى والقتلى، تاركا آثارا تبين طريق سيره.
لا توجد لحد الآن أخبار عن القوات العاملة في هذه المناطق الصحراوية البعيدة.
تدقيقات أخرى قدمت في برقية لـTemps (جريدة) بتاريخ 1929/10/20.
التفاصيل التي تلت معركة جهاني، للأسف تؤكد خطورة الهجوم، والخسائر المؤلمة التي سببتها لنا.
بمجرد ما أخبر بخروج الجيش من تافلالت، المكون من قِبَلِ آيت حمو، قام الكولونيل (كاترو) القايد الأعلى للمنطقة العسكرية في عين الصفراء، بإشعار كل مراكز المراقبة، وخاصة التي في لمريجة، ولعبادلة، الموجودة في شمال وجنوب كير، بحراسة طرق تافلالت، والبحث عن المنشقين، وملاحقتهم، وتفريقهم، أرسل مركز لمريجة على الفور، سرية راكبة من الفوج الأجنبي الأول، وفصيلة من فرسان المخزن، تحت إمرة ليوطنا (فيوريت) للقيام بالإستطلاع، لكن أثر الجيش طبعا اختفى متقطعا بل حتى الطيران نفسه المتعاون في الرصد، لم يشاهد شيئا، بالرغم من استطلاعاته المكثفة، في كل الناحية. مفرزة ليوطنا (فيوريت) واصلت التمشيط طبعا، عابرة واد كير، مقتربة من جبل جهاني الموجود في الجنوب الغربي للمريجة، مكونة منطقة جبلية من صخور كلسية، إلى حد ما وعرة، خلافا للمساحات الشاسعة المجاورة.
بقي الجيش مجهول المكان، وفجأة يوم الإثنين 14 أكتوبر، حوالي منتصف النهار، أشارت طائرة لوجود 150 من أيت حمو على بعد كلمترات من معسكر لَفِيفِنا الأجنبي، تم تقسيم المعسكر على الفور، فتوجه كلون نحو يمين الجيش، وسار من غير أن يلاحظ شيئا. حتى الساعة الخامسة مساء، وبعدما تم الإعتقاد بأن العدو قد فر من أمامه بأقصى سرعة، تفجر فجأة إطلاق نار كثيف، مفرزة (فيوريت) وجدت نفسها في تلك اللحظة، تسير في منخفض غابوي، يسيطر عليه أولئك المبحوث عنهم من أعلى، كان آيت حمو جالسين القرفصاء هناك، في جلابيب رمادية مختلطة بالأرض، بعدما نصبوا كمينا لجنودنا، يستطيعون به مفاجأة أكبر قدر منهم واقفين، ليقتلوهم من أول رشقة.
الفيالق كيفما كانت الأوضاع، لا يتراجع رجالها، لذلك قبل جنودنا القتال ضد عدو متفوق عليهم في العدد بثلاث مرات، حاولوا الرد على نيران العدو، لكن مع الأسف لم تكن الأرض مناسبة، إذ لم يكن الكثير من جنودنا، سوى مجرد أهداف لرماة مهرة، وشيئا فشيئا تفككت مفرزتنا، ونجى منها سبعة أشخاص فقط، بعدما وضع الليل حدا لإطلاق النار.
كانت ليلة مشؤومة علينا سمحت لآيت حمو، بسلب عدد من الجثث، والإستيلاء على أمتعة الكولون، ثم انسحبوا تحت جنح الظلام، نحو المنطقة الشمالية، يعني في اتجاه ناحية بودنيب.
إحدى طائراتنا شاهدت تبادل إطلاق النار، وأبلغت أن كلون (فيوريت) عالق في وضع خطير، فأعطى فورا السلاح لمركز لمريجة، حيث القبطان (ليفوك) من فوج اللفيف الأجنبي، فذهب على عجل لجهاني في مجموعة من 250 رجل، فوصل هذا الدعم في أول الصباح، لكنه لم يجد هناك أعداء، بل عددا من القتلى بلغ 48 وجرحى عددهم 20.
كولون (ليفيك) أمر بملاحقة الجيش، فلوحق من قبل مفارز المتعاونين الجزائريين والمغاربة، في كل مراكز المنطقة الحدودية.
من جهة أخرى أبلغ الطيران كلمبشار بالمعركة، فتم إرسال كافة السيارات المتواجدة في المراكز الخلفية إلى جهاني، على وجه السرعة لحمل الجرحى وإعطائهم الإسعافات اللازمة، وقد لفظ إثنان من الجرحى أنفاسهما، مما رفع عدد القتلى لخمسين نفرا، ليوطنا (فيوريت) أصيب في ساقه، ومن بين القتلى ضابط الصف بونر، والرقباء: لوتز، وموكين، وكيففر، والعرفاء دول، ريف، مولر، ونقل العريف بيير كنزيجي والجندي ماركويتي في حالة خطيرة، تحت إشراف الطبيب (أندريـي) لمركز العلاج القريب.
أخيرا هناك تفاصيل مثيرة للإهتمام في رواية العريف (كنتزيجر) لوهران (جريدة).
في منتصف نهار 14 أكتوبر شرح العريف: كانت سريتنا تحت إمرة ليوطنا (فيوريت) عندما غادرت المعسكر بسرعة لتعقب الجيش، المكون من 150 بندقية، قدموا من تافلالت، بعدما أبلغتنا طائرة بتحركهم، لكننالم نلحق بهم، عند الساعة 17 وجدنا أنفسنا في مكان على شكل حوض في جهاني، جنوب لمريجا، فواجهَنا المغاربة من فوق التلال المحيطة بالحوض، بوابل من الرصاص.
كان الأعداء يفوقوننا في العدد بثلاث مرات، حاولنا الانتشار لحماية أنفسنا، بدون جدوى، بحيث واصل المغاربة إطلاق النار المركز علينا بسرعة البرق المتوالي، وفي الليل فقط توقفت النيران، فقد كان المجيشون قد استنفذوا ما لديهم من ذخيرة.