سوء خلق الداعية عقبة في طريق الدعوة

روى الترمذي وصححه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله:” أُوقِعَ قَوْلُهُ: (وَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ) مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ: (إِنَّ أَثْقَلَ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ) دَلَالَةً عَلَى أَنَّ أَخَفَّ مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ هُوَ سُوءُ الْخُلُقِ، وَأَنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ أَحَبُّ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ اللَّهِ، وَالْخُلُقُ السَّيِّئُ أَبْغَضُهَا؛ لِأَنَّ الْفُحْشَ وَالْبَذَاءَةَ أَسْوَأُ شَيْءٍ فِي مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ” انتهى من مرقاة المفاتيح (8/3177).
وروى أحمد عن عمرو بن شعيب، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟) فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ الله، قَالَ: (أَحْسَنُكُمْ خُلُقًا). صححه الألباني في صحيح الترغيب (2650) .
وروى البخاري (6035)، ومسلم (2321) عن عبد الله بن عمرو عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا).
قال النووي رحمه الله:” فِيهِ الْحَثّ عَلَى حُسْن الْخُلُق، وَبَيَان فَضِيلَة صَاحِبه، وَهُوَ صِفَة أَنْبِيَاء اللَّه تَعَالَى وَأَوْلِيَائِهِ، قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ: حَقِيقَة حُسْن الْخُلُق بَذْل الْمَعْرُوف، وَكَفّ الْأَذَى، وَطَلَاقَة الْوَجْه.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: هُوَ مُخَالَطَة النَّاس بِالْجَمِيلِ وَالْبِشْر، وَالتَّوَدُّد لَهُمْ، وَالْإِشْفَاق عَلَيْهِمْ، وَاحْتِمَالهمْ، وَالْحِلْم عَنْهُمْ، وَالصَّبْر عَلَيْهِمْ فِي الْمَكَارِه، وَتَرْك الْكِبْر وَالِاسْتِطَالَة عَلَيْهِمْ، وَمُجَانَبَة الْغِلَظ وَالْغَضَب، وَالْمُؤَاخَذَة” انتهى .
فسوء الخلق ضرره عظيم على الدعوة إلى الله، فإن الناس ينفرون من سيء الخلق، سيء التعامل، ويرفضون نصحه، ويقولون: ينصح نفسه أولا، ويُقبلون على حسن الخلق حسن التعامل، ويقبلون منه نصحه ويستمعون إلى قوله .
فمن ساء خلقه عطل سبيل الدعوة، وجعل الناس يسيئون الظن بأهل الالتزام، وأنهم لا يحسنون التعامل مع الناس وينفرونهم، كما يعود سوء الخلق بالعاقبة السيئة عند التعامل مع غير المسلمين، حيث إن سوء الخلق ينفرهم من الدين وأهله.
فليتق العبدُ ربه، أن يكون بحاله وفعاله سببا في صد الناس عن سبيل الله، أو تنفيرهم من الدين وأهله: فعن أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: “جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ، فَلْيُوجِزْ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الْحَاجَةِ). رواه البخاري (702) ومسلم (466).
قال المناوي رحمه الله:” سوء الخلق شر ووبال على صاحبه وغيره فإنه يجذب صاحبه في الدنيا إلى العار وفي الآخرة إلى النار، قال الشاعر:
وكم من فتى أزرى به سوء خلقه ** فأصبح مذموماً قليل المحامد
وقالوا: من ساءت أخلاقه لزم فراقه.
وقالوا: سوء الخلق يدل على خبث الطبع ولؤم العنصر.
وقالوا يكاد سيئ الخلق أن يعد من البهائم.
فمن رزق حسن الخلق فهنيئا له، وإلا فعليه بمعالجته حتى يزول. انتهى باختصار منن “التيسير” (2 /121) .
على أننا نقول هنا أيضا:
إن كثيرا من الناس لا ينصفون أهل الدين، ولا يعدلون معهم في القضية، ويرون الصغير منهم فاحشا، بل لو فعل أحدهم مباحا، أو طلبا ما رخص له في أمر الدنيا، قاموا عليه بالشناعات، والقيل والقال، وإذا بدرت منه بادرة، أو وقع فيما لا يخلو منه بشر: أقاموا الدنيا، ولم يقعدوها، فإن بعض الناس يريد من هؤلاء أن يكونوا أنبياء !!وبعضهم: يتحين له خطأه، وزلاته، ليشنع عليه، بل على الدين وأهله به، والله تعالى يحب القسط، ويأمر كل أحد، بالعدل مع كل أحد، كائنا من كان.
وقد أمر عباده أن ينظروا إلى الناس، ويعاملوهم، بما يحبون أن ينظر إليهم الناس، ويعاملوهم به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *