تتواصل حملة السب والافتراءات والأكاذيب على الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم في الغرب.. ولم تعد توقفها الاحتجاجات والمظاهرات والتنديدات الغاضبة في العالم الإسلامي.
فما إن انتهت الضجة التي أحدثتها الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم التي نشرتها الصحف الدنماركية والنرويجية، حتى خرج علينا “بابا الفتيكان” بمزاعم وافتراءات حول الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم، ثم أقدمت القناة الوطنية الدنماركية الرسمية “T.V.2” يوم الجمعة (14 رمضان 1427هـ الموافق 6-10-2006م) ببث مقاطع من برنامج تليفزيوني أعده “شبيبة حزب الشعب الدانماركي”، وهو حزب يميني متطرف ويشارك في الحكومة، ويعرض البرنامج مسابقة يتنافس فيها المشاركون على إبراز أكثر الطرق والصور إهانة وسخريةً من النبي صلى الله عليه وسلم، ويبرز البرنامج إلزام الخاسر من المتسابقين بارتداء النقاب؛ إمعاناً في السخرية والاستهزاء من الإسلام!
وفي يناير 2004م وصف عضو الحزب الوطني البريطاني “نيك جريفن” الإسلامَ بأنه: “عقيدة فاسدة”!.
وفي ماي 2005م دعا المذيع الأميركي “مايكل غراهام” إلى ضرب مكة المكرمة وتدمير الكعبة المشرَّفة.. بالسلاح النووي!..
وفي يناير 2006م، وصف المذيع الأميركي “بيل هاندل” الحجاج المسلمين في “مِنى” بأنهم قطعان من الماشية!..
فضلاً عن حوادث تمزيق المصاحف الشريفة وامتهانها، في العراق المحتلّ والكيان الصهيوني و”غوانتانامو” و”باغرام” الأفغان!..
وتمثل هذه الوقائع انحداراً حقيراً في حملة الحقد الأعمى، المنطلقة في الغرب على الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم.
حقد دفين وحملة ممنهجة
إن المتابع لتلك الحملة الظالمة منذ انطلاقها بكثافة بعد أحداث 11 شتنبر 2001م يكتشف بسهولة أنها ليست وليدة اجتهادات شخصية أو زلات لسان، أو تمادياً في استخدام حرية الرأي والتعبير كما يزعمون، وإنما هي حملة مخطط لها جيداً تشارك فيها وتعمل على “التخديم” عليها منظومة واحدة تضم كل الأدوات السياسية والإعلامية والثقافية والكنسية.
وإن ما نتابعه خلال تلك الحملات من تصريحات واتهامات هابطة وبذيئة إنما يمثل زفرات تنبئ عن مخزون رهيب من الحقد الأعمى على الإسلام ونبيه والمسلمين. وصدق الله العظيم إذ يقول: ” َدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ” (آل عمران: 118)، وإن الهدف منها واضح صريح يكشفه قول الله سبحانه وتعالى: “وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ” (البقرة: 109).
ولقد عبر العديد من ساسة الغرب وقادته الدينيين عن مكنون صدورهم وخفايا ما تكنه قلوبهم من حقد وعداء للإسلام، عبر تحريضهم الصريح على استمرار الحرب ضد هذا الدين العظيم.. دين الله: “إن الدين عند الله الإسلام” (آل عمران19).
ففي محاضرة بمعهد “هادسن” في واشنطن يوم 24/9/2006م (عقب إطلاق البابا افتراءاته ضد الإسلام) قال “خوسيه ماريا أثنار” رئيس الحكومة الإسبانية السابق والرئيس الفخري للحزب الشعبي الإسباني (يميني): “لا شك لدي في أنه علينا مواجهة إسلام جَموح وإسلام راديكالي يؤثر على العالم.. إسلام أصولي تجب مواجهته؛ لأنه لا خيار لدينا.. فإما هم وإما نحن.. نحن مهاجَمون بصورة دائمة وعلينا الدفاع عن أنفسنا”!
وكان الرئيس السابق لأساقفة “كانتربري” رأس الكنيسة البريطانية “اللورد كاري” أكثر فجاجة في التعبير عن الحقد والعداء والتحريض على الإسلام، ففي محاضرة جامعية يوم 20/9/2006م (عقب افتراءات البابا) نقل كاري عن صاحب نظرية صراع الحضارات “صموئيل هانتنجتون” قوله: “إن حدود الإسلام دموية، وهذا الأمر ينسحب كذلك على مضامينه.. المشكلة الأساسية للغرب ليست مع الإسلام الأصولي، وإنما مع الإسلام ككل، فهو حضارة مختلفة يقتنع أصحابها بتفوق ثقافتهم وهم مهووسون بهامشية قوتهم..”!
وفي الصيف الماضي حذر “جورج جاينزفاين” السكرتير الخاص للبابا “بنديكت السادس عشر” في مقابلة له مع مجلة “سودويتشه تساينتوج” الألمانية بموقعها على الإنترنت مما وصفه بـ”أسلمة الغرب”، مشددا على أنه يتعين على أوروبا ألا تتجاهل جهود إدخال القيم الإسلامية في الغرب، وهو ما يمكن أن يهدد هوية القارة، قائلا: “لا يجب إغفال محاولات أسلمة الغرب”.
الدنمرك وإعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم
وقد أعادت الصحف الدنمركية نشر الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم على خلفية الشك في التخطيط لمحاولة اغتيال رسام الرسوم المسيئة “كورت فيستر غوورد”، مما حرك الرأي الدولي في العالم الإسلامي، وهو ما دفع وزير الداخلية الألماني “فولفجانج شويبله” إلى دعوة الصحف الأوربية لنشر هذه الرسوم بحجة أن ذلك يدخل في حق حرية التعبير، والغريب أنّ سفاهة الصحف الأوروبية الحالية تُصَنَّف لديهم في صنف حرية الرأي والتعبير.. بينما ارتداء الحجاب الإسلاميّ، يصنَّف بعيداً عن الحرية الشخصية!..
لم نعد في حاجة إذن لدليل على أن ما يجري بحق الإسلام ونبيه وأهله من الغرب عموماً هو وليد قناعات ومعتقدات متراكمة ومفعمة بالحقد والافتراء، وهي ذات القناعات والاعتقادات التي حركت من قَبل، الحروب الصليبية، وتحرك اليوم الحروب الاحتلالية الصليبية الحديثة ضد العالم الإسلامي، ذلك الغرب العلمانيّ المنفلت، المتصدّع حضارياً وإنسانياً وأخلاقياً؟!..
وفي كل أزمة تعصف بأمتنا يفضح العلمانيون حتى تبدو سوءاتهم للقاصي والداني، فخلال أزمة الدنمرك خرج علينا العلمانيون يستنكرون غضبة الأمة ويتهمونها بالتحامل على الغرب، ويتكرر الأمر بصورة أشد فجاجة في الأزمات الأخيرة، وتأتي هذه المواقف لتأكد أن العلمانيين في بلادنا هم طابور خامس لأعداء الأمة وأن خطرهم لا يقل إن لم يزد عن خطر أعدائه.
ومن هنا فإن على العالم الإسلامي، علماء ودعاة وحكومات وشعوباً أن يجمعوا أمرهم ويوحدوا صفهم، ليقوم كلٌّ بدوره المؤهل له والذي سيسأله الله سبحانه وتعالى عنه يوم القيامة.
وصدق الله العظيم إذ يقول: “إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا” (التوبة40)، وقوله: “إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً” (الأحزاب57).