هل صحيح أن معاوية دعا إلى سب علي رضي الله عنهما؟*

أكذوبة شيعية سرت بين بعض المؤرخين دون إسناد، تزعم أن معاوية أمر بسب علي رضي الله عنهما على المنابر طوال عهده! ثم توارث ذلك بنو أمية إلى عهد عمر بن عبدالعزيز الذي أوقف هذا السب.
ثم سرت إلى بعض من يروي الغث والسمين، فصدقها من قال الله عنهم: {وفيكم سماعون لهم}، ومن هؤلاء: الدكتور الشنقيطي صاحب كتاب «الخلافات السياسية بين الصحابة»، وصاحبه الذي نقل عنه، عبدالمعطي قلعجي محقق كتاب «جامع المسانيد والسنن» لابن كثير؛ الذي استجاز لنفسه أن يلعن معاوية رضي الله عنه متكئا على هذه الأكذوبة الرافضية التي ألصقت ظلما وزورا بمعاوية.(1)
والغريب أن قلعجياً هذا قال في مقدمته لكتاب «جامع المسانيد والسنن»(2) معلقا على موقف ابن كثير من الحرب بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، بعد إيراد حديث «تفترق أمتي فرقتين فتمرق بينهما مارقة فيقتلها أولى الطائفتين بالحق»: «فهذا الحديث من دلائل النبوة؛ إذ وقع الأمر طبق ما أخبر به عليه الصلاة والسلام، وفيه الحكم بإسلام الطائفتين: أهل الشام وأهل العراق، لا كما يزعمه فرقة الرافضة والجهلة الطغام؛ من تكفيرهم أهل الشام، وفيه أن أصحاب علي أدنى الطائفتين إلى الحق، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة أن عليا هو المصيب، وإن كان معاوية مجتهدا، وهو مأجور إن شاء الله، ولكن عليا هو الإمام؛ فله أجران…»! فتأمل تناقض هذا الكلام الطيب مع لعنه السابق!
وأيضا: فقد علق قلعجي على «فتاوى ابن الصلاح» عند مسألة سب يزيد بن معاوية ولعنه، قائلا: «وإني أميل إلى أن يُلعن من تتوفر فيهم الصفات الملعونة جملة وبطريقة جامعة، مثلا: لعنة الله على الظالمين، أما لعنة شخص بعينه على وجه التحديد فهذا أمر غير لائق»!
قلتُ: فما بال قلعجي وقع هنا في الأمر غير اللائق؟! لأن لعنته لمعاوية رضي الله عنه وخلفاء بني أمية لعنة محددة.
أعود إلى الأكذوبة والتهمة الرافضية لمعاوية: فقد رجعتُ إلى أدلة الشيعة على هذه القضية فوجدتها تنقسم قسمين: أحاديث صحيحة لا تدل على كذبتهم؛ وروايات تاريخية تحوي هذه الكذبة، لكن دون إسناد!
فأما القسم الأول، وهو ما أورده الأستاذ الشنقيطي نقلا عن القلعجي مستدلا به على لعن معاوية لعلي رضي الله عنهما، أو أمره بذلك؛ فهو دليلان:
– الأول: ما أخرجه مسلم في صحيحه «باب فضائل علي» عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: «أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسُبَّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ذكرت ثلاثاً قالهنَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلن أسُبّهُ، لأن تكون لي واحدة منهنَّ أحبُّ إليَّ من حُمر النَّعم، سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول له وخلّفه في مغازيه، فقال له عليّ: يا رسول الله، خلَّفْتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله عليه الصلاة والسلام: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوّة بعدي؟؛ وسمعته يقول يوم خيبر: لأُعْطينَّ الراية رجلاً يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي علياً، فأُتي به أرْمَد فبصق في عَيْنه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولمّا نزلت هذه الآية: {قل تعالوْا ندعُ أبْناءنا وأبْناءَكم …}، دعا رسول الله عليه الصلاة والسلام علياً وفاطمة وحسناً وحُسيناً فقال: اللهم، هؤلاء أهلي».(3)
قال النووي شارحا هذا الحديث: «قول معاوية هذا، ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدا بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب، كأنه يقول: هل امتنعت تورعا أو خوفا أو غير ذلك؟ فإن كان تورعا وإجلالا له عن السب، فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك، فله جواب آخر، ولعل سعدا قد كان في طائفة يسبّون، فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار عليهم، فسأله هذا السؤال. قالوا: ويحتمل تأويلا آخر أن معناه: ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده، وتُظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ».(4)
– الثاني: حديث أبي حازم عن سهل بن سعد قال: «استُعمل على المدينة رجلٌ من آل مروان، قال: فدعا سهلَ بن سعد فأمره أن يشتم عليًّا، قال: فأبى سهل، فقال له: أما إذا أبيت فقل: لعن الله أبا تراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وإن كان ليفرح إذا دعي بها».(5)
فيقال عنه: يطالَب الشنقيطي بإثبات أن الرجل الذي دعا سهل فأمره أن يشتم علياً هو معاوية!
وأما القسم الثاني: فحكايات وأخبار يتناقلها المؤرخون وأهل الأدب دون خطام ولا زمام؛ ومعلوم أن هؤلاء حطبة ليل، فكم في مصنفاتهم من أباطيل ومفتريات لا تقوم على ساق عند النقد العلمي. يقول الشيخ الألوسي: «إن المؤرخين ينقلون ما خبث وطاب، ولا يميزون بين الصحيح والموضوع والضعيف، وأكثرهم حاطب ليل، لا يدري ما يجمع».(6)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-(*) مقتبس من مقال: كذبتان سياسيتان على معاوية رضي الله عنه، لسليمان الخراشي، بتصرف.
-(1) انظر تعليقه على مسند معاوية رضي الله عنه (11/566)، وقد نقله الدكتور في كتابه (ص: 101).
-(2) ص: 177.
-(3) مسلم (4/1871).
-(4) شرح مسلم (15/175).
-(5) مسلم (2409).
-(6) صب العذاب على من سب الأصحاب، ص: 421.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *