العلم من صفات الله تعالى التي يتصف بها على وجه الكمال المطلق؛ ومن ذلك علمه سبحانه بالغيب وتفرده تعالى بذلك:
قال الله تعالى:{عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا}(الجن 26-27).
قال العلامة ابن الجوزي:”{قل إن أدري} أي ما أدري {أقريب ما توعدون} من العذاب { أم يجعل له ربي أمدا} أي غاية وبعدا، وذلك لأن علم الغيب لله وحده {فلا يظهر}أي: فلا يطلع على غيبه الذي يعلمه أحدا من الناس {إلا من ارتضى من رسول} لأن من الدليل على صدق الرسل إخبارهم بالغيب والمعنى أن من ارتضاه للرسالة أطلعه على ما شاء من غيبه وفي هذا دليل على أن من زعم أن النجوم تدل على الغيب فهو كافر”. (زاد المسير8 / 385).
وقال العلامة القرطبي: “والأولى أن يكون المعنى:لا يظهر على غيبه إلا من ارتضى أي اصطفى للنبوة فإنه يطلعه على ما يشاء من غيبه: ليكون ذلك دالا على نبوته،..قال العلماء رحمة الله عليهم : لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم، وليس المنجم ومن ضاهاه[1] ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه بل هو كافر مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه”اهـ.( تفسير القرطبي19 / 28).
وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: “جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل حين بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلَت جويرات لنا يضربن بالدف، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: “وفينا نبي يعلم ما في غد”.
فقال: “دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين“. (رواه البخاري).
فالنبي صلى الله عليه وسلم ينفي عن نفسه علم الغيب، ويرفض أن يصفه الغير بذلك.
فلا يجوز أن يقال لمخلوق أنه يعلم الغيب؛ قال الله تعالى: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خزائن اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} الأنعام50
{وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}الأعراف188
كما لا يجوز أن يقال لمخلوق أنه يُظهره (يُطلعه) الله على الغيب غير الرسل والأنبياء:
{عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول}.
ومع هذه النصوص الصريحة؛ خالف المتصوفة هذه العقيدة وأشركوا مع الله غيره وادعوا أن بعض الأولياء يعلمون الغيب:
نص على ذلك عبد الكريم الجيلي في كتابه:الإنسان الكامل 1/122 وغيرها، وعبد العزيز الدباغ (الإبريز ص.151 وما بعدها)، والشعراني (الطبقات الكبرى 2/150)، وعلي حرازم ابن العربي برادة (جواهر المعاني 1/53)، والشاذلي .. وغيرهم.
قال أوسطهم واصفا شيخه علي الخوّاص:”وكان محل كشفه اللوح المحفوظ عن المحو والإثبات، فكان إذا قال قولا لابد وأن يقع على الصفة التي قال، وكنت أرسل له الناس يشاورونه عن أحوالهم فما كان قط يحوجهم إلى كلام بل كان يخبر الشخص بواقعته التي أتى لأجلها قبل أن يتكلم فيتحير الشخص”[2].
وقال الشيخ عبد السلام ياسين المرشد العام لجماعة العدل والإحسان في كتابه تنوير المؤمنات 1/290: “ما لِي أتغذى من فُتات موائد الكرام ولا أبحث كما بحثوا لأزاحم بالركب! كبار الصوفية كالغزالي؛ ينظرون في اللوح المحفوظ، فما مُقامي أنا في ظُلمة الجهل! وابن تيمية يقرأ في اللوح المحفوظ وينبئُ بغيب المستقبل. كيف! لوح محفوظ! وعلم غيْب! وابن تيمية!
إِي نعم! لا أذكر لك الصفحة والجزء لكي تقرئي كتاب مدارج السالكين لتلميذ ابن تيمية الذكي الزكي الذي قص كيف راجع شيخه حين أخبره شيخه أن المسلمين ينتصرون في معركة مع التتار. وأخبره شيخه أنه رأى ذلك في اللوح المحفوظ”اهـ!!
قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: “إذا كان الله تعالى لم يؤت الرسل ما لم يؤت غيرهم من أسباب التصرف في المخلوقات ومن علم الغيب وكان كل من التصرف بالقدرة الذاتية وعلم الغيب خاصا به عز وجل يستحيل أن يشاركه غيره فيه فمن أين جاءت دعوى التصرف في الكون وعلم الغيب لمن هم دون الرسل منزلة وكرامة عند الله تعالى من المشائخ المعروفين وغير المعروفين؟؟؟”.(تفسير المنار7/425).
ويدخل في هذا النوع من الشرك؛ تصديق الكهنة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد” [رواه أحمد والحاكم وصححه].
[1] أي شابهه، كالمتصوفة.
[2] الطبقات الكبرى 2/250