واقع الشباب وأزمة المنهج ذ. هشام الهدار

يقع العقل في ذهول ثم حيرة وهو يرى ما وصل إليه واقع الشباب اليوم، إذ ينبئ هذا الواقع عن تيهان فكري ووجود فوضى منهجية عند شبابنا، مما أثر سلبا على الحياة العامة للمجتمع، إذ مجتمع بلا شباب متوازن كخيمة بعمود هزيل لا يستقر على حال.
لكن ما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع؟ وأين يوجد الخلل؟ ثم ما هي الحلول؟
في الحقيقة الإجابة عن هذا الإشكال لا يسعه مقال، ولكن حسبي الإشارة والتنبيه إلى أصول القضية.
وأول القضية تشخيص الأسباب ومكامن الخلل، وأجمع ذلك في قضية كبرى، هي قضية المنهج، وأقصد المنهج الذي يختاره كل واحد لينسج منه وعبره حياته. ويمكن تقسيمه إلى أصول وأسس الانطلاق، ثم قواعد وأساليب التفعيل والتنزيل.
فالشباب اليوم يتأرجحون بين مناهج متعددة للحياة، فمنها ما يأتي من الأسرة، ومنها ما يأتي من المدرسة -وأقصد كل الفاعلين والمؤثرين في العملية التعليمية/التعلمية-، وآخر من الشبكة العنكبوتية أو التلفاز أو الهواتف الذكية، وغير ذلك.
فهذه المناهج المتعددة تختلف على مستوى أصول الانطلاق وكذلك قواعد التفعيل، والأصول التي أؤكد عليها في هذا المقام هي: الدين وعادات وتقاليد المجتمع، أما القواعد فهي متعددة وتختلف باختلاف وجهة النظر في الأصول، وعلى رأس هذه القواعد؛ مسألة الجائز وغير الجائز.
فالشاب الذي له تصور سليم للمنهج على مستوى الأصول، سينجح بنسبة مهمة وكبيرة على مستوى القواعد، أما الذي له تشويش في التصور للمنهج على مستوى الأصول، فسيتخبط على مستوى القواعد، قال تعالى: { أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} الأنعام:122.
ولذلك تجد الشباب منقسما بين مفْرط ومفرط، وقلما تجد من سلك الوسط، إذ تجد قاعات الحفلات الغنائية المليئة بالرقص والمجون والخنى والاختلاط ومهرجانات اللهو ممتلئة بالشباب، وفي أي الأوقات برمجت، أما الندوات العلمية والفكرية والثقافية -مع قلتها- فتكاد لا تجد إلا بعض المختصين وقلة قليلة من الشباب.
أما الحلول فهي كذلك ستأتي في صورة إجمالية، وبما أن الخلل جاء من الخطأ في المنهج، فالحلول تكمن في إصلاح المنهج، وبالتالي كيف نصلح المنهج؟ أو ما هو المنهج القويم والكفيل بإرجاع شبابنا إلى الجادة؟
إن الاهتداء للتي هي أقوم في المنهج لا يتأتى إلا بالفهم السليم للذات على مستوى أصول الانطلاق (الدين، عادات وتقاليد المجتمع)، ولا يكون ذلك إلا بتوفير تعليم قويم راشد مرشد، مذ أن يضع الطفل -قبل أن يصبح شابا- القدم الأولى في التعليم الأولي -الروض- يكفل له تأصيلا سليما لدينه وعادات وتقاليد مجتمعه، ليجعلها أسسا للانطلاق في الحياة، ولا يحصل ذلك إلا بتأهيل مربين معلمين أكفاء يحملون هم الأمة، ولهم فهم سليم للمنهج، وقدرة على تلقينه للأجيال.
ثم العمل على تحصين الأطفال والشباب من الهجمات الهوجاء، التي تؤزهم أزا؛ وتدفعهم دفعا؛ إلى الانسلاخ من الذات والتنكر لها، وذلك كله تحت شعارات براقة وعناوين مفخخة من مثل: التطور والتقدم ومسايرة العصر والحرية…
وفي الختام أقول للشباب؛ اقرأوا ذاتكم من خلال قراءة تاريخ أمتكم -الأمة المسلمة-، وقراءة تاريخ بلدكم -المغرب-، ثم بعد ذلك انطلقوا في مضمار المدافعة نحو التقدم وبناء الحضارة، إذ الجيل الذي لا يقرأ لا ينتج ولا يبني حضارة، وإنما قد يبني ناطحات سحاب أو عمارات على زبد البحر، فإذا ذهب الزبد -وهو سريع الذهاب- ذهب ما تعلمون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *