ظهور حاميم المتنبئ بجبال غمارة

وفي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة (313/925) ظهر حاميم المتنبئ بجبال غمارة .

قال ابن خلدون : كانت غمارة عريقة في الجهالة والبعد عن الشرائع، بسبب البداوة والانتباذ عن مواطن الخير، وتنبأ فيهم من قبيلة يقال لها مجسكة حاميم بن مَنَّ الله، يكنى أبا محمد، ويكنى أبوه منَّ الله أبا يخلف.
وكان ظهوره بجبل حاميم المشتهر به قريبا من تطوان، واجتمع إليه كثير من غمارة، وأقروا بنبوته، وشرع لهم شرائع وعبادات، وصنع لهم قرآنا كان يتلوه عليهم بلسانه، فمما شرع لهم: صلاتان في كل يوم، واحدة عند طلوع الشمس والأخرى عند غروبها، ثلاث ركعات في كل صلاة، ويسجدون وبطون أيديهم تحت وجوههم.
ومن قرآنهم الذي كانوا يقرأونه بعد تهليل يهللون به بلسانهم: “خلني من الذنوب يا من خلى النظر ينظر في الدنيا، أخرجني من الذنوب يا من أخرج يونس من بطن الحوت، وموسى من البحر”، ثم يقول في ركوعه: “آمنت بحاميم وبأبيه أبي يخلف منَّ الله، وآمن رأسي وعقلي وما يكنه صدري، وما أحاط به دمي ولحمي، وآمنت بتالية عمة حاميم أخت أبي يخلف من الله”، ثم يسجد. وكانت تالية هذه امرأة كاهنة ساحرة، وكان حاميم يلقب المفتري، وكانت أخته دبو كاهنة ساحرة أيضا، وكانوا يستغيثون بها في الحروب والقحوط.
وفرض عليهم صوم الاثنين وصوم الخميس إلى الظهر، وصوم الجمعة، وصوم عشرة أيام من رمضان، ويومين من شوال. ومن أفطر في يوم الخميس عمدا فكفارته أن يتصدق بثلاثة أثوار، ومن أفطر في يوم الاثنين فكفارته أن يتصدق بثورين، وفرض عليهم في الزكاة العشر في كل شيء.
وأسقط عنهم الحج والوضوء والغسل من الجنابة، وأحل لهم أكل الأنثى من الخنزير، وقال: “إنما حرم قرآن محمد الخنزير الذكر”، وأمر أن لا يؤكل الحوت إلا بذكاة، وحرم عليهم أكل البيض، وأكل الرأس من كل حيوان.
فبعث إليه عبد الرحمن الناصر -صاحب الأندلس- عسكرا فالتقوا بقصر مصمودة من أحواز طنجة فقتلوه، وقتلوا أتباعه، وصلبوا شلوه بالقصر المذكور، وبعثوا برأسه إلى الناصر بقرطبة، ورجع من بقي من أتباعه إلى الإسلام وذلك سنة خمس عشر وثلاثمائة (315/927).
قال ابن خلدون: “وكان لابنه عيسى بن حاميم من بعده قدر جليل في غمارة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *