مظاهر التخلف والرجعية في المواسم الشركية موسم ضريح مولاي بوعزة نموذجا إبراهيم بيدون

من المواسم الشركية الوثنية المسيئة لسمعة المغرب؛ سواء على صعيد الوعي الديني أو الرقي الحضاري؛ موسم “ضريح مولاي بوعزة”؛ وهو موسم يرسم بجلاء درجة التخلف والرجعية التي تعاني منها شرائح واسعة من ساكنة العالم القروي والحضري في بلدنا على حد سواء.

حيث تتفشى في هذا الموسم انحرافات عقدية خطيرة؛ كترويج بعض الجهال والمغرر بهم قدرة المقبور على اطلاع الغيب، وإبطال السحر والثقاف، والاستجابة لقضاء حوائج سائليه من طلب عمل أو زواج أو عافية، وتحديثه الأفاعي؛ وإحيائه البقرة المذبوحة؛ وعلمه بالبار من العاق لوالديه…!!! وقد صنف أحمد التادلي الصومعي كتابا جمع فيه ما بلغه من كرامات “مولاي بوعزة” بعنوان (كتاب المعزى في مناقب الشيخ أبي يعزى).
كما تنتشر في هذا الموسم أيضا العديد من السلوكات الشاذة؛ أبرزها وجود فئة من الوحوش المنسوبة إلى بني آدم؛ يتعبدون بطقوس شركية؛ ويفترسون الماعز وهي حية؛ فينهش كل واحد منهم جزء منها نيئة على مرأى ومسمع من الناس وبحضوع السلطات الأمنية!!
ويقصد ضريح مولاي بوعزة بإقليم خنيفرة كل سنة -رغم بعد المسافة ووعورة الطريق- آلاف الطالبين لبركته والمؤمنون بقدرته!!!

مفترسو اللحوم النيئة
(لعل أهم ما يثير الزوار ويطرح أكثر من سؤال حول هوية ومصدر تلك العادات، التي لازالت راسخة في أذهان العديد من الأسر المغربية، رغم فظاعتها وبعدها الكامل عن عقيدة المغاربة، وجود نساء ورجال وشباب، بشر في صور ذئاب جائعة، يجدون متعتهم في أكل اللحوم النيئة.
مشاهد مفزعة، ..لأشخاص من أكلة اللحوم النيئة، ..إذ ما إن انطلق موكب “العادة” تحت أنغام الطبل والمزمار (الغايطة)، على طول الطريق المؤدية إلى الضريح، حتى هم كبير الذئاب وأجشعهم بذبح جدي أسود (عتروس كحل) بسكين كبيرة وسط صراخ مجموعة منهم، ذكورا وإناثا. لم يكن الجدي قد نفق بعد، ورغم ذلك سكبوا دماءه، وبدؤوا في اختطاف لحمه وجلده، حتى قبل أن يمس الأرض، وتمزيقه بأياديهم وأسنانهم..
واستمر موكب أكلة اللحوم في الإثارة بعد ذبح وأكل جدي آخر، إذ بدؤوا يأكلون أمعاء الجديين بشراسة ذئاب جائعة، ويتعاركون من أجل الظفر بأكبر جزء من الذبيحتين المهداتين من بعض الأشخاص من نفس القبيلة بهدف قضاء أغراض في نفوسهم .
وقد ظلوا ينظرون إلى الجمهور العريض، الذي انتشر بينهم وفوق سطوح المنازل والمحلات التجارية وفوق الأماكن المقابلة للشارع والضريح. أزيد من عشرة آلاف مشاهد شدتهم شراسة أكلة اللحوم النيئة، فأطلقوا العنان للصراخ والهتاف وترديد عبارات: طلب التسليم.. الله يحفظ.. اللهم صلي عليك آرسول الله.. فيما عم الخوف قلوب الأطفال والنساء اللواتي أغلقن أعينهن وأدمعت أعين أطفالهن المحملين فوق ظهورهن.
لكن ما شد نظر العديد ممن أغاظتهم تلك المشاهد المفزعة، جري أكلة اللحوم النيئة وراء النقود، إذ كانوا يأخذون النقود «الباروك» أو «الفتوح» مقابل أن يضعوا أياديهم المتعفنة بالدماء فوق رؤوس وأكتاف طالبي «البركة» و«التبرك»، الذين كانوا يعدون بالعشرات. ولم تكن تلك الذئاب تعترض على تصويرها بعدما تتلقى مقابلا ماديا عن ذلك.
التزود ببركة أكلة اللحوم النيئة يتعدى المسح أو الضرب على الأكتاف والرؤوس، ليصل إلى البصق في وجوه وأفواه طالبي البركة..) جريدة المساء.
تقع هذه الأعمال الوحشية والسلوكات الشركية على مرأى ومسمع من رجال السلطة الذين يسهرون في هذا الموسم كما في غيره على تحقيق أمن الزوار؛ وتيسير مرور مناسك حجاج المواسم على أكمل وجه، وكأن هذه الأعمال الشركية والسلوكات الوحشية التي تتدثر بدثار الدروشة والتصوف؛ والتي لا تمت لا إلى العقل ولا إلى الشرع بصلة؛ أعمال مشروعة؛ وسلوكات غير خادشة في التوحيد والعقيدة الصحيحة والسلوك الحضاري الراقي!!
فعلى إيقاع مزمار الشيطان تنطلق الحضرة الشيطانية التي تفترس فيها الحيوانات بكل تلك الوحشية والهمجية؛ وتشرب المياه الساخنة، ويضفي المشعوذون بروحهم الخسيسة المقيتة على تلك الأجواء لمسة دينية من خلال التكبير والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ويحلو للسذج والجهال من فرط الإعجاب والعجز عن إدراك ما يقع أن يرددوا معهم تلك التكبيرات والصلوات..!!
فمتى كان من تكبير الله عز وجل وتعظيم شرعه، وحماية جناب توحيده، افتراس الحيوانات وأكل لحومها نيئة تشبها بالسباع والجوارح؟!

موقف الشرع وأقوال العلماء من المواسم الشركية
ديننا يقوم على أساس توحيد الله، وصرف جميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة له سبحانه؛ فلا ندعو مع الله لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا؛ ومن باب أولى من هو دونهم؛ ومن صرف أي عبادة لغير الله تعالى أو تقرب إلى ضريح أو جن بدعاء أو ذبح.. أو خوف أو رجاء.. فقد أشرك مع الله تعالى في العبادة؛ والله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
والمواسم المنتشرة في ربوع بلدنا ملأى بهذه المخالفات؛ الأمر الذي دفع العديد من علماء المغرب ومصلحيه عبر الحقب والعصور إلى تحذير الناس من غشيان هذه المواسم والوقوع في تلك الضلالات والمخالفات.
ومن أشهر المواقف التي حفظتها لنا كتب التاريخ موقف السلطان المولى سليمان، الذي حذر من خلاله مرسوم أصدره من الوقوع في البدع وقال رحمه الله: “وها نحن عباد الله أرشدناكم وحذرناكم وأنذرناكم، فمن ذهب بعد لهذه المواسم، أو أحدث بدعة في شريعة نبيه أبي القاسم، فقد سعى في هلاك نفسه، وجرّ الوبال عليه وعلى أبناء جنسه، وتلّه الشيطان للجبين، وخسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين، “فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ” [النور:63]. (انظر الترجمانة الكبرى لأبي القاسم الزياني ص:466-470).
كما نقل العلامة ابن سودة في “سلِّ النصال”: أن عبد الله بن عبد الصمد كنون: “كان ينكر على معتقد الولاية في كل من هب ودب، والمتعلقين بأصحاب القبور أيا كانوا؛ ويسفه أحلامهم، ويصفهم بالشرك مع الله إلها غيره..”.

موقف الأوصياء على الأمن الروحي للمغاربة
أعمال شركية، واعتقادات خرافية، وممارسات بدعية، وأعمال محرمة، وانحرافات سلوكية جنسانية، هذه هي العناوين الكبرى لما يقع في موسم مولاي بوعزة وغيره من المواسم.
فالذبح لغير الله، وسؤال الموتى جلب النفع ودفع الضر، والتمسح بجدران وأستار الضريح، واعتقاد الخرافات.. كلها أعمال شركية ممنوعة في شريعة التوحيد، فكان حريا بالوزارة الوصية على تدبير الشأن الديني وحماية الأمن الروحي للمغاربة أن تبادر إلى كشف هذه الانحرافات، ومحاربة هذه الضلالات، ومنع هذه اللقاءات، لا أن تدعم هذه المواسم بالمنح والقربات؛ وتترك المشعوذين يخرِّبون عقائد الناس ويلبسون عليهم أمر دينهم.
وكان حريا أيضا برجال السلطة التدخل العاجل من أجل محاصرة بيوت الدعارة التي تنبت كالفطر في هذه المواسم؛ ومنع الافتراس الوحشي للبهائم التي أمرنا بالإحسان إليها لا تعذيبها بتلك الطرق الوحشية.

كلمة أخيرة لأدعياء الحداثة والتنوير
لا شك أن ما يقام في موسم وضريح مولاي بوعزة وغيره من الأضرحة والمواسم يخالف العقل والفكر الحداثي!
لكننا مع ذلك لا نجد هؤلاء الأدعياء -الذين رفعوا سلاح الإعلام والقانون والحقوق في وجه الكثير من التشريعات الإسلامية والعلماء والمصلحين- يحاربون هذه الممارسات الوثنية، ولا يعقدون لأجل ذلك الندوات ولا المؤتمرات ولا اللقاءات؛ ولا يعملون على استصدار قوانين زجرية؛ رغم أن تلك الممارسات غارقة في أتون الوثنية والشرك واللامعقول.
فلماذا هذا الصمت المطبق اتجاه مثل هاته السلوكات والممارسات؟
أم أن استصنام الإرث الثقافي يجعلهم يغضون الطرف عن ذلك؟
هذا إن لم نذهب إلى القول بأن كثيرا من تلك الممارسات الشاذة تتفق والفكر العلماني في تجليه الوثني القائل بربوبية الطبيعة وأنها مصدر كل القوى!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *