لا يمكن الحديث عن حزب الله اليوم دون الرجوع خطوات للوراء، والحديث عن حركة أمل التي خرج من رحمها، ومؤسسها موسى الصدر، ودور إيران الشاه آنذاك في السعي وراء تشييع لبنان كخطوة أولى في مسيرة إنشاء الهلال الشيعي الممتد -حسب زعمهم- من إيران إلى مصر.
وقد كانت سنة 1958 سنة حاسمة في تاريخ الحركة الشيعية، التي لم يكن لها قبل هذا التاريخ أي ذكر بالساحة السياسية اللبنانية، بل وحتى الدينية، باعتبار تبعيتها للمسلمين السنة وذوبانها في صفوفهم آنذاك. غير أن وفاة المرجعية العلمية الشيعية عبد الحسين شرف الدين، ونصه في وصايته على خلافة حفيده له في المرجعية الدينية، كان سببا في تقوية الحضور الشيعي بالساحة اللبنانية.
ولم يكن حفيد عبد الحسين شرف الدين غير موسى الصدر، الإيراني الذي ولد بطهران سنة 1928، وتخرج بجامعة طهران، وعاش بها حتى وفاة جده ليغادر في اتجاه لبنان التي أكرمته بمجرد قدومه بمنحه الجنسية اللبنانية، التي كان الحصول عليها لغير النصارى آنذاك ضربا من المحال. فأنشأ (المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى) سنة 1966 وحصل على مباركة الحكومة اللبنانية وبرلمانها، فصار الشيعة منذ ذلك الحين طائفة من طوائف لبنان المعترف بها وبحضورها الوازن. لينشئ بعد ذلك حركة (المحرومين) التي استغلت حاجة الناس وفقرهم، فاستعمل الأعمال الاجتماعية وسيلة، وادعى خدمة البسطاء ومصالحهم، لكسب التأييد الشعبي، لتكون هذه الحركة بوابة الوصول إلى التنظيم المسلح عبر تأسيس ما يسمى بحركة أمل الشيعية سنة 1975.
وقد عرفت حركة أمل منذ تأسيسها مرحلتين، وفي كلتيهما لم يذكر لها التاريخ أي تحرك جدي ضد الصهاينة، بل على العكس من ذلك، فقد عرفت قيامها بمجزرتي صبرا وشاتيلا بتواطؤ مع الصهيوني الأكبر شارون، وإخوانهم النصيريين من شيعة سوريا، فاستمرت هذه المجازر طيلة شهر رمضان لسنة 1405هـ الموافق لـ 20 مايو 1982.
يقول حيدر الدايخ -أحد زعماء حركة أمل- في لقاء صحفي أجرته معه مجلة الأسبوع العربي بتاريخ 24 أكتوبر 1983: (كنا نحمل السلاح في وجه إسرائيل ولكنها فتحت أيديها لنا وأحبت مساعدتنا، لقد ساعدتنا على اقتلاع الإرهاب الفلسطيني الوهابي من الجنوب).
ثم جاءت بعد ذلك مرحلة إنشاء فصيل جديد، مهمته تغطية الحقل السياسي اللبناني، ومحاولة تصدير الفكر الشيعي إلى خارج لبنان، دون فك الارتباط مع الحركة الأم التي تكلفت بالمهام القذرة التي لن يستطيع الفصيل الجديد القيام بها، فتم إنشاء حركة أمل الإسلامية، التي كان حسن نصر الله أحد كوادرها آنذاك.
جاءت ترجمة حسن نصر الله في مقدمة حوار أجرته معه مجلة الشاهد السياسي بعددها 147 بتاريخ فاتح مارس 1999 على الشكل التالي: (حسن عبد الكريم نصر الله (خميني العرب) من مواليد 21 أغسطس 1960، عين مسئولا عن حركة أمل في بلدة البازورية في قضاء صور، وسافر إلى النجف في العراق عام 1976م لتحصيل العلم الديني الإمامي، وعين مسئولا سياسيا في حركة أمل على إقليم البقاع وعضوا في المكتب السياسي عام 1982م..).
غير أن تاريخ حركة أمل الأسود، فرض ضرورة تغيير اسم الفصيل الجديد، لإعطائه دفعة قوية تقوي حظوظه في تحقيق ما فشلت الحركة الأم في تحقيقه ليتم الإعلان عن ميلاد حزب الله في أواخر سنة 1985.
ولد حزب الله وفي فمه ملعقة من ذهب، بعد تهييء موسى الصدر للمناخ الملائم لنشأة الحزب الوليد، وتهييء الكيان الصهيوني للأجواء الملائمة لعلاقة تعاون تضمن تحقيق بني صهيون لأهدافهم المتمثلة في القضاء على المقاومة الفلسطينية وضمان حدود آمنة مع لبنان، في مقابل تحقيق حزب الله لأهدافه الداخلية، المتمثلة في الحضور القوي في الساحة السياسية اللبنانية، والخارجية المتمثلة في تصدير الثورة الشيعية إلى باقي الدول العربية والإسلامية بتمويل ودعم إيرانيين.
يقول إبراهيم الأمين الناطق الرسمي لحزب الله سابقا: (نحن لا نقول: إننا جزء من إيران، نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران). جريدة النهار 5 مارس 1987.
ويقول حسن نصر الله: (إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام، والدولة التي تناصر المسلمين والعرب، وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه، كما أن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا) مجلة المقاومة العدد 27.
والعلاقة بين إيران وحزب الله ليست في حاجة لما يؤكدها فالبيان التأسيسي للحزب يؤكدها دون مواربة، وقد انبنت هذه العلاقة على تبني المذهب الشيعي الجعفري الإثنا عشري، والولاء التام للولي الفقيه المتمثل في المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، والعمل على تفريخ أحزاب على غرار حزب الله في الدول العربية والإسلامية للعمل على تصدير الثورة الشيعية إليها.
وهذا ما حدث فعلا بعد إنشاء حزب الدعوة الشيعي الكويتي المعروف بحزب الله الكويت، الذي كان وراء محاولة اغتيال الأمير جابر سنة 1985، وعملية خطف طائرة كويتية في أبريل 1986.
ثم تأسيس ما يسمى بمنظمة الثورة الإسلامية لتحرير الجزيرة العربية، بالمملكة العربية السعودية، ثم إنشاء جناحها المسلح المسمى بحزب الله الحجاز، الذي كان من وراء أحداث الحرمين سنة 1988 و1989، وأحداث مدينة الخبر سنة 1996، وفي الحالتين يفر بعض المتهمين في اتجاه إيران ولبنان بعد القبض على الآخرين. ليستمر تفريخ جراثيم حزب الله التي ابتليت بها كل من البحرين، واليمن، والعراق، ومصر، بل ولم يسلم حتى المغرب من تلك الجراثيم لولا عناية الله التي أحبطت مؤامرات أتباع هذا الحزب سنتي 1992 و2008.
لا يمكننا مهما حاولنا الإحاطة بموضوع حزب الله أن نأتي منه حتى بالنزر اليسير لذلك نحيل قراءنا الأعزاء إلى كتب مهمة تناولت الموضوع بإسهاب، علهم يجدون بها توضيحات أكثر مما أسلفنا وإجابات على أسئلتهم التي لن تسعفنا الظروف للإجابة عنها فنجد:
• كتاب (إسرائيل وحزب الله) لعبد الحليم محمود.
• كتاب (حزب الله حقائق وأبعاد) لفضيل عبد النصر.
• كتاب (حزب الله رؤية مغايرة) لعبد المنعم شفيق.
• كتاب (حزب الله من النصر إلى القصر) لأنور قاسم.
• كتاب (حزب الله وسقط القناع) لأحمد فهمي.
• كتاب (الخمينية وريثة الحركات الحاقدة) لوليد الأعظمي.
• كتاب (ماذا تعرف عن حزب الله) لعلي الصادق.
• كتاب (وجاء دور المجوس) لعبد الله الغريب.
وغيرها كثير لكن المقام لا يسمح بذكرها كلها.