خطر الخمر وعقوبة شاربه

 

شرب الخمر كبيرة من كبائر الذنوب، وهي أم الخبائث، ومفتاح كل شر، تغتال العقل، وتستنزف المال، وتصدع الرأس، وهي كريهة المذاق، ورجس من عمل الشيطان؛ توقع العداوة والبغضاء بين الناس، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وتدعو إلى الزنا، وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم، وتذهب الغيرة وتورث الخزي والندامة والفضيحة، وتلحق شاربها بأنقص نوع الإنسان وهم المجانين، وتهتك الأستار، وتظهر الأسرار، وتدل على العورات، وتهوِّن ارتكاب القبائح والمآثم، وتخرج من القلب تعظيم المحارم، ومدمنها كعابد وثن.

كم أهاجت من حرب؟ وأفقرت من غني؟ وذلت من عزيز؟ ووضعت من شريف؟ وسلبت من نعمة؟ وجلبت من نقمة؟ وكم فرقت بين رجل وزوجته؟ فذهبت بقلبه وراحت بلبّه.

وكم أورثت من حسرة أو جرّت من عبرة؟ وكم أغلقت في وجه شاربها باباً من الخير وفتحت له باباً من الشر؟ وكم أوقعت في بلية وعجّلت من منية؟ وكم جرّت على شاربها من محنة؟

فهي جماع الإثم ومفتاح الشر وسلاّبة النعم وجالبة النقم..

ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد لكفى بها من مصيبة.

وآفات الخمر أضعاف أضعاف ما ذكرنا” ا.هـ كلام ابن القيم رحمه الله من حادي الأرواح.

وقد حذرنا الله منها في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى:

1- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90.

2- لعن الله شارب الخمر، ففي سنن أبي داود (3189) عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قال: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ” وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود (2/700).

3- شبه النبي صلى الله عليه وسلم مدمن الخمر بعابد الوثن، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مُدْمِنُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ” رواه ابن ماجه 3375 وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه 2720.

4- الحرمان من دخول الجنة لمن أدمن على شرب الخمر فعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يدخل الجنة مُدمن خمر” رواه ابن ماجه 3376 وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 2721.

5- عن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: “اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ، فَعَلِقَتْهُ (أَيْ عَشِقْته وَأَحَبَّتْهُ) امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا فَقَالَتْ لَهُ إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ، فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ (أي إناء) فَقَالَتْ إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ قَالَ فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا فَسَقَتْهُ كَأْسًا قَالَ زِيدُونِي فَلَمْ يَرِمْ (أَيْ فَلَمْ يَبْرَح وَلَمْ يَتْرُك ذَلِكَ) حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا وَقَتَلَ النَّفْسَ.

فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا وَاللَّهِ لا يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، رواه النسائي 5666 وصححه الألباني في صحيح النسائي 5236.

6- أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا وَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدَغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا رَدَغَةُ الْخَبَالِ قَالَ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ”. رواه ابن ماجه 3377 وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 2722.

وليس معنى عدم قبول الصلاة أنها غير صحيحة، أو أنه يترك الصلاة، بل المعنى أنه لا يثاب عليها. فتكون فائدته من الصلاة أنه يبرئ ذمته، ولا يعاقب على تركها.

قال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي: “قوله “لا تقبل له صلاة” أي: لا يثاب على صلاته أربعين يوماً عقوبة لشربه الخمر، كما قالوا في المتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب إنه يصلي الجمعة ولا جمعة له، يعنون أنه لا يعطى ثواب الجمعة عقوبة لذنبه.” تعظيم قدر الصلاة” (2/587، 588).

وليُعلم أن وقوع المسلم في معصية وعجزه عن التوبة منها لضعف إيمانه لا ينبغي أن يُسوِّغ له استمراء المعاصي وإدمانها، أو ترك الطاعات والتفريط فيها بل يجب عليه أن يقوم بما يستطيعه من الطاعات ويجتهد في ترك ما يقترفه من الكبائر والموبقات.

وهذه العقوبة على شارب الخمر إنما هي لمن لم يتب، أما من تاب وأناب إلى الله فإن الله يتوب عليه ويتقبل منه أعماله.

نسأل الله أن يعصمنا من نزغات الشيطان، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *