من المستفيد من استمرار الفساد في بلادنا؟ إبراهيم بيدون

خرج علينا قبل أشهر القائمون بأعمال المجلس الأعلى للحسابات بتقرير مدرج بالفضائح والاختلالات المالية التي تحتاج التدخل السريع لوقف نزيفها قبل أن يحل بالمغرب كوارث من قبيل:

– السكتة القلبية للاقتصاد المغربي بكل أطيافه..
– الانفجار الاجتماعي بسبب ظروف العيش القاسية..
– تصاعد دعاوى الانفصال والخيانة..
وهذه الأيام صدر تقرير جديد عن الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة، يكشف أن الرشوة تكلف خزينة المغرب خسارة تقدر بأكثر من 27 مليار درهم سنويا، وأن ترتيب المغرب زاد 9 درجات عن ترتيب العام الماضي سوءً، وأضاف التقرير أن الحصانة السياسية للمتورطين تحول دون متابعتهم مما يشكل عاملا مهما في ارتفاع حجم هذه الظاهرة.
لا شك أن غياب الاستقامة الشرعية في ممارسات الأفراد ومعاملاتهم، وضعف التربية الشرعية الدينية الكفيلة بوضع حاجز أخلاقي يمنع من اقتراف هذه الكبيرة الموبقة، بالإضافة إلى شيوع الإفلات من العقاب الذي بلغ حد التواطؤ المكشوف تعتبر أهم عوامل استفحال هذه الظاهرة.
لكن السؤال الذي يطرح بعد ذلك، هو: ما الفائدة من إنشاء آليات المراقبة والمتابعة إن لم تكن نتائج التقارير التي تخرج بها هذه الآليات كفيلة بمتابعة المتورطين؟
ثم من يستفيد من استمرار الفساد في بلادنا؟
لعل أخطبوطية الفساد وتجذره في غالبية القطاعات وتفرعه على شتى المستويات يكسب أصحابه قوة وحصانة تُبقي كل محاولات الإصلاح مقرونة بالفشل، الأمر الذي يفسر بقاء نتائج وتوصيات التقارير الكاشفة للفساد المالي والأخلاقي حبيسة رفوف مقرات مجالس وهيآت الرقابة.
فمن هم سدنة الفساد في المغرب؟
لن نعطي أسماء لكن سنتحدث عن بعض صفاتهم:
إنهم من يحبون المغرب فقط عندما يذر عليهم ملايين الدراهم، وإن كانت عن طريق صفقات مشبوهة وغير نزيهة!
إنهم من ينعمون بالخيرات والثروات ولا يحبون المحاسبة!
إنهم من يعشقون المناصب، فإذا خلعوا منها تراهم يسقطون صرعى قد شلت منهم الأيادي والأرجل كأنما رأوا الموت.
إنهم من صُمَّت آذانهم فلا يسمعون إلا صوت الدراهم، فلا صوت أحب إليهم منه، ولا سلطة أعلى لديهم سواه، لا يتورعون في أكل أرزاق الناس وأموالهم، فلا يرحمون الأيتام، ولا ترق قلوبهم للأرامل.
إنهم المرتشون الذين اندلقت مصارين بطونهم من فرط التهام المال الحرام ولم يشبعوا بعد.
إنهم من يكرهون العدالة ويستسيغون الظلم، ويوظفون القانون ليكونوا فوقه، ولو كان القانون فوقهم لصاروا أثرة بعد عين.
إنهم أولئك الذين يخسرون ميزان العدل بالجاه والسلطة والمال!
إنهم الذين يخافون من القلم الأحمر، ومن الصحيفة الكاشفة، ومن المسؤولين الشرفاء والنزيهين!
إنهم من يحب أن يشتغل في الظلام، فإذا أشعلت النور عليهم خبطوا خبط عشواء، وحاولوا إزالتك وإطفاء النور!
إنهم من يكرهون هوية المغرب، ولا يحترمون المقدسات، ومن يتطلعون لاستيراد تجربة العيش الغربية، دينهم المتعة والفساد، ومنهجهم معاداة القيم والأخلاق.
إنهم العلمانيون والمستغربون الذين يعمون أبصارهم بعد أن عميت بصائرهم عن كل مآسي الغرب الاجتماعية والأخلاقية مصرين على استيراد قيمه ومبادئه ليفرضوها على المغاربة دون مراعاة لدين أو هوية أو ثوابت!
إنهم من شربوا من ثدي الفساد، وربوا في أحضان الأنانية وحب الذات، وترعرعوا بين قوم يقدسون المصلحة الشخصية، ولا يهمهم مجيء الطوفان بعدما هربوا أموال الشعب إلى حساباتهم المسجلة في بنوك خارج حدود البلاد.
إنهم من يعيش ليكنز، ويكنز ليخلد، حتى إذا جاءهم الموت، انكشفت صورتهم المخدوعة، ونالهم الحساب العسير..ولكن القوم لا يفقهون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *