ما زالت الشعوب الإسلامية تثبت يومًا بعد يوم أنها قادرة على المقاومة والمواجهة بأقل الإمكانيات، وأنها ما زالت تنبض بالحياة التي يحاول الآخرون سلبها منهم.
ورغم كل المصاعب التي تمر بها هذه الشعوب فعندما تتكاتف وتضع هدًفا أمام أعينها وتشحذ طاقتها الإيمانية تسقط الأقنعة عن القوى الزائفة.
لقد راهن الاحتلال الغاشم على ضعف الشعوب الإسلامية بعد طول اضطهاد وظلم وحصار ونهب للخيرات وتدبير للمؤامرات؛ حتى تخيّل أنه سيجد جثثًا هامدة يسهل إخضاعها، إلا أن الدروس تتوالى لتؤكد خيبة ظنه.. فبعد هزيمة منكرة يتحدث عنها الأصدقاء قبل الأعداء للاحتلال في العراق وأفغانستان ها هو الذَنب الصليبي العميل يجر أذيال الخيبة والخسران في الصومال، فقد أقرّ مدير الأمن في وزارة الأمن الوطني في الحكومة الانتقالية شيخ قاسم إبراهيم نور، بأن الحكومة غير قادرة على مقاومة “الإسلاميين” أو إيقافهم، وأكد المسئول الأمني أن “نحو 80% من أراضي الصومال ليست آمنة وليست تحت سيطرة الحكومة، وأن الإسلاميين يعيدون تجميع صفوفهم تحضيرًا لشن هجوم كبير ضد الحكومة والقوات المتحالفة معها”.
يأتي ذلك بعد أن انسحبت القوات الإثيوبية من بعض المناطق في العاصمة مقديشو، حيث احتلتها المقاومة وقامت بفرض تطبيق الشريعة عليها، وكان رئيس الوزراء الإثيوبي قد مهّد لتلك الخطوة عندما صرّح بأن قواته ستنسحب من الصومال، وتنتشر على الحدود، وذلك بعد المقاومة الشرسة التي واجهتها.
لقد استعانت واشنطن بالقوات الإثيوبية لتحقيق أهدافها في الصومال لسببين، الأول: أنها غير مستعدة لمزيد من التورط في حروب مباشرة بعد ما ذاقت الأمرين في العراق وأفغانستان؛ والثاني لأنها ظنت أن الجنود الإثيوبيين أقدر على التعامل مع الشعب الصومالي من جنودها، خصوصًا وأن لإثيوبيا مصالح من دخول الصومال لقطع الطريق على إريتريا، ونيل المزيد من الكرم الأمريكي!
وزيرة الخارجية الأمريكية من جهتها شعرت بحجم الخسارة، وخشيت من رجوع المحاكم للسيطرة على الصومال فدعت إلى نشر المزيد من القوات الأجنبية، بعدما أثنت على أوغندا التي نشرت بعض الجنود هناك، كما وعدت “رايس” بتقديم مساعدات للبلاد التي ستقوم بنشر قواتها في الصومال؛ وذلك إثر تراجع العديد من الدول عن إرسال جنودها بعد تصاعد المقاومة.
لم تنسَ أمريكا تطبيق سياستها العرجاء عندما تشعر بالهزيمة؛ فقامت بدعوة المقاومة للحوار، كما فعلت من قبل في العراق وأفغانستان؛ وجاءها الرد المتوقع كالعادة على لسان “شريف أحمد” رئيس تحالف المعارضة الصومالية، الذي رفض القبول بأي اتفاق أو حتى إجراء محادثات، مطالبًا بخروج قوات الاحتلال الإثيوبي أولاً من البلاد، وأضاف أحمد: إنه إذا انتهى الاحتلال الإثيوبي ففي هذه الحالة يصبح التفاوض ممكنًا.
عاش الشعب الصومالي ستة أشهر في أمن وأمان؛ عندما سيطرت قوات المحاكم على أغلب مناطق الصومال، وقاموا بتطبيق الشريعة على البلد المسلم، ولم يتورطوا في مهاجمة أي بلد أخرى أو يدعو إلى ذلك، إلا أن “بوش” وأعوانه ساءهم الأمر، وقرروا محاربة الفزاعة المصطنعة لتنفيذ المصالح الأمريكية “الإرهاب” فماذا حدث بعد ذلك إلا المزيد من الدمار والخراب.
لم يتدخل “بوش” عندما كان أمراء الحرب يعيثون فسادًا في البلاد، ويسقط يوميًا مئات القتلى والجرحى، أما وقد حكم الإسلام وانتشر الأمن فالآن وجب هدم المعبد على رؤوس من فيه، إنها صورة أخرى من صور الاضطهاد والاستغلال تحت شعار نشر الحرية والديمقراطية ومحاربة “الإرهاب”.. “بوش” لم يتعلم الدرس بعد ضربتين موجعتين فهل يتعلم بعد الضربة الثالثة؟