قوله تعالى: {وإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}4.
كلمة «لعلي» تفهم على غير وجهها، إذ هي من الرفعة والعلو لا نسبة إلى علي -رضي الله عنه و أرضاه- كما يدعي الشيعة.
قال الطبري: يقول تعالى ذكره: وإن هذا الكتاب أصل الكتاب الذي منه نسخ هذا الكتاب عندنا لعلي: يقول: لذو علو ورفعة، حكيم: قد أحكمت آياته، ثم فصلت فهو ذو حكمة.
قال ابن كثير: (لعلي) أي: ذو مكانة عظيمة وشرف وفضل.
قال الشوكاني:(لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) أي: رفيع القدر محكم النظم لا يوجد فيه اختلاف، ولا تناقض.
قال قتادة: يخبر عن منزلته وشرفه، أي: إن كذبتم بالقرآن يا أهل مكة فإنه عندنا لعلي رفيع شريف محكم من الباطل.
قال العلامة السعدي: (لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) أي: لعلي في قدره وشرفه ومحله، حكيم فيما يشتمل عليه من الأوامر والنواهي والأخبار، فليس فيه حكم مخالف للحكمة والعدل والميزان.
قوله تعالى{لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً}32.
كلمة «سخريا» من التسخير لا السخرية والاستهزاء.
قال الطبري: وقوله (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا): ليستسخر هذا بهذا في خدمته إياه، وفي عود هذا على هذا بما في يديه من فضل، فقد جعل تعالى ذكره، بعضا لبعض سببا في المعاش في الدنيا.
قال الألوسي: أي: ليستعمل بعضهم بعضا في مصالحهم، ويستخدموهم في مهنهم، ويسخروهم في أشغالهم، حتى يتعايشوا، ويترافدوا، ويصلوا إلى مرافقهم.
قال العلامة السعدي: وفي هذه الآية تنبيه على حكمة الله تعالى في تفضيل الله بعض العباد على بعض في الدنيا: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} أي: ليسخر بعضهم بعضا، في الأعمال والحرف والصنائع.
فلو تساوى الناس في الغنى، ولم يحتج بعضهم إلى بعض، لتعطلت كثير من مصالحهم ومنافعهم.
قوله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}36.
كلمة «يَعْشُ» تفهم على غير وجهها.
قال الماوردي: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ) فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يعرض، قاله قتادة. الثاني: يعمى، قاله ابن عباس. الثالث: أنه السير في الظلمة، مأخوذ من العشو وهو البصر الضعيف.
قال القرطبي: ومن يعش بفتح الشين، ومعناه يعمى، يقال منه عشي يعشى عشا إذا عمي. ورجل أعشى وامرأة عشواء إذا كان لا يبصر.
قال الطبري: وأصل العشو: النظر بغير ثبت لعلة في العين، يقال منه: عشا فلان يعشو عشوا وعشوا: إذا ضعف بصره، وأظلمت عينه، كأن عليه غشاوة.
قال بن عاشور: ويعش: مضارع عشا كغزا عشوا بالواو، إذا نظر إلى الشيء نظرا غير ثابت يشبه نظر الأعشى، وأما العشا بفتح العين والشين فهو اسم ضعف العين عن رؤية الأشياء، يقال: عشي بالياء مثل عرج إذا كانت في بصره آفة العشا ومصدره عشى بفتح العين والقصر مثل العرج. والفعل واوي عشا يعشو.
قال العلامة السعدي: (وَمَنْ يَعْشُ) أي: يعرض ويصد.
ولا تعارض بين القولين فالتعامي والتجاهل من الإعراض والصد عن ذكر الرحمان.
قوله تعالى{وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ}51.
كلمة «من تحتي» اختلف المفسرون في تحديد معناها.
قال الطبري: يعنى بقوله: (مِنْ تَحْتِي): من بين يدي في الجنان.
قال قتادة: كانت جنانا وأنهارا تجري من تحت قصوره. وقيل: من تحت سريره. وقيل: (من تحتي) أي تصرفي نافذ فيها من غير صانع.
قال بن عاشور: ومعنى قوله: تجري من تحتي يحتمل أن يكون ادعى أن النيل يجري بأمره، فيكون من تحتي كناية عن التسخير كقوله تعالى: (كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين) التحريم:10. أي كانتا في عصمتهما. ويقول الناس: دخلت البلدة الفلانية تحت الملك فلان، ويحتمل أنه أراد أن النيل يجري في مملكته من بلاد أصوان إلى البحر، فيكون في تحتي استعارة للتمكن من تصاريف النيل كالاستعارة في قوله تعالى: (قد جعل ربك تحتك سريا) مريم:24. على تفسير (سريا) بنهر، وكان مثل هذا الكلام يروج على الدهماء لسذاجة عقولهم.
ويجوز أن يكون المراد بالأنهار مصب المياه التي كانت تسقي المدينة والبساتين التي حولها وأن توزيع المياه كان بأمره في سداد وخزانات، فهو يهول عليهم بأنه إذا شاء قطع عنهم الماء على نحو قول يوسف (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) يوسف: 59. فيكون معنى من تحتي من تحت أمري أي لا تجري إلا بأمري، وقد قيل: كانت الأنهار تجري تحت قصره.
وقيل: معنى (وهذه الأنهار تجري من تحتي) أي القواد والرؤساء والجبابرة يسيرون تحت لوائي، قاله الضحاك. وقيل: أراد بالأنهار الأموال، وعبر عنها بالأنهار لكثرتها وظهورها. وقوله: (تجري من تحتي) أي أفرقها على من يتبعني، لأن الترغيب والقدرة في الأموال دون الأنهار. والله أعلم.