علامات النفاق وأوصاف المنافقين الأخلاقية في القرءان الكريم د. إبراهيم والعيز -باحث في الدراسات الإسلامية-

سبق أن نشرت في العددين (211) و (219) من جريدة السبيل موضوعين متكاملين أولهما؛ علامات النفاق وأوصاف المنافقين الاعتقادية في القرءان الكريم، والثاني؛ علامات النفاق وأوصاف المنافقين النفسية في القرءان الكريم. وتميما للفائدة وتعميما للنفع خصصت هذا المقال لعلامات النفاق الأخلاقية من خلال جملة من آيات كتاب الله العزيز، ومن بينها:
-1- السفه؛ وهو خفة تعترض عقل الإنسان فتحمله على العمل بخلاف شرع الله، وهو نتيجة لضعف الإيمان، والمنافقون سفهاء لأنهم ادعوا أن الذين ءامنوا واتبعوا النور المنزل سفهاء، فرد الله عنهم أنهم هم السفهاء، لأنهم يعملون بخلاف ما أنزل الله. قال تعالى: (وإذا قيل لهم ءامنوا كما ءامن الناس قالوا أنومن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) .
-2- زرع الفتنة في صفوف المسلمين؛ إن المنافقين كلما رأوا أن المجتمع الإسلامي مجتمع ءامن ومستقر، سارعوا إلى دس الدسائس في صفوف المسلمين بالتآمر عليهم وزرع فتيل الفتنة والبلبلة والطائفية بينهم، لتفكيك المجتمع الإسلامي وجعله طوائف وشيعا وأحزابا يضرب بعضها في بعض، وذلك ما بينه كتاب الله حين حديثه عن تأهب المسلمين واستعدادهم للخروج إلى غزوة تبوك للقاء الروم في الشام، حيث نص بالحرف الواحد على أن من الألطاف الإلهية بالمسلمين أن المنافقين لم يخرجوا معهم، فلو خرجوا لعكروا الأجواء وسعوا في الفتن. قال تعالى: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين) .
-3- الكذب؛ وهو خلاف الصدق، وهو أصل فساد الكثير من المجتمعات وعنصر بارز لتقطيع الروابط والصلات الاجتماعية، فليس من الغريب أن يتصف به المنافقون الكاذبون الذين يقولون ما لا يعتقدون بغرض المداهنة والمداراة وتلميع الصورة لقضاء مآرب وأغراض دنيوية مادية عاجلة. قال تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) .
-4- إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك بإلحاق الضرر به وبأقاربه وأصحابه وأتباعه وعامة المسلمين الصادقين وهو أعظم أنواع الكفر. وقد أشار كتاب الله إلى تضايق المنافقين أشد التضايق من اطلاع الرسول عليه السلام عليهم وعلى خباياهم ومساعيهم الخفية التي يقومون بها من وراء الستار، وبعلمه التام مما يتناجون به في خلواتهم الخاصة. قال تعالى: (ومنهم الذين يوذون النبيء ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يومن بالله ويومن للمومنين ورحمة للذين ءامنوا منكم والذين يوذون رسول الله لهم عذاب أليم) .
-5- إشاعة الفواحش والمنكرات داخل المجتمع الإسلامي؛ إن المنافقين دائما يسعون إلى نشر الأراجيف والأخبار الكاذبة لبلبلة الأفكار وإشاعة المنكرات بكل ألوانها، فلا يهدأ لهم بال إلا إذا عم الفحش وطم الحرام في المعاملات الاقتصادية وفي السلوك الاجتماعي، فهم يشجعون على العري والزنا والربا والخمور ويدافعون عن ذلك بكل ما أتيح لهم من الإمكانيات والوسائل. وقد وصف القرءان الكريم حالهم في أعقاب الحديث عن حادث الإفك الذين دبروا له وأكثروا الحديث عنه: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) ، وقال كذلك واصفا لسلوكهم القائم على نشر الفساد: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) .
-6- نقض المواثيق والعهود؛ إن المنافقين في عصر النبوة حلفوا قبل غزوة الأحزاب أنهم سيكونون مع المسلمين في الدفاع عن الحق وعن المدينة المنورة التي يساكنون فيها المسلمين، غير أنهم نقضوا هذا العهد وتحالفوا مع الأحزاب وكفار قريش ضد المسلمين الذين عاهدوهم أن يكونوا في حلفهم وصفهم. قال تعالى: (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولا قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا) . وهذا شأن المنافقين في كل العصور والأجيال.
-7- السخرية والاستهزاء بالدين وبأهله؛ إن هذا الخلق الذميم متأصل في سلوك المنافقين منذ ظهور الإسلام، وستبقى فيهم إلى يوم القيامة، فكلما رأوا دين الله ينتشر في المجتمع، وأحكامه وتعاليمه تسري في النفوس، سارعوا إلى رفض أحكام الإسلام وتعاليمه ورد شريعته، وسبيلهم في ذلك هو الاستهزاء والسخرية بأهل الله والطعن فيهم ومهاجمتهم بكل ما يملكون لتنفير ضعاف الإيمان منه ومنهم. قال تعالى: (وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) ، وقد حذر القرءان الكريم المومن أن يستمع إليهم أو يجلس في مجالسهم التي يسخرون فيها بدين الله. قال تعالى: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم ءايات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا) .
-8- الإكثار من الحلف باسم الله؛ إن المنافقين يكثرون من استعمال الأيمان المغلظة بمناسبة وغير مناسبة، وذلك شعورا منهم بفقدان الثقة فيهم وعدم الاطمئنان إليهم، فيحاولون نزع الثقة من المخاطبين باستعمال الحلف وتوكيد اليمين. قال تعالى: (ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون) ، وقال: (يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مومنين) .
-9- الطمع والاستغلال؛ إن الطمع والانتفاع والروح الاستغلالية مهيمنة على سلوك المنافقين في جميع الظروف والأحوال. فهم راضون مستبشرون يعلنون رضاهم كلما استغلوا وانتفعوا وكانت مصلحتهم الخاصة مضمونة ومصونة، وهم ساخطون متبرمون يعلنون سخطهم كلما توقفت عجلة الاستغلال والانتفاع وتعطلت أبسط مصلحة من مصالحهم الخاصة، وذلك قوله تعالى في شأن المنافقين الأولين منهم والآخرين: (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *