خلد الشعب المغربي، وفي طليعته أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، يوم الأربعاء 14 جمادى الآخرة 1429 لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، الموافق لـ 18يونيو 2008 من تاريخ النصارى، الذكرى الـ 54 لليوم الوطني للمقاومة، تذكيرا بما قام به المجاهدون المغاربة من أجل تحرير البلاد من يد المحتل الغاشم، ويشكل هذا الاحتفال تجسيدا لقيم الوفاء لمقاومي ملحمة الاستقلال والوحدة. والإشادة بنضالهم الخالد من أجل عزة الإسلام ثم الدفاع الوطن وكرامته، والحفاظ على هويته ومقوماته، التي كانوا يأبون أن يطالها تغريب المحتل، فقد كانوا مخلصين لهويتهم الدينية، وتجلى هذا الارتباط المتين بين المجاهدين المغاربة وقيمهم الدينية في الكثير من الممارسات منها:
1- قيامهم في وجه المحتل باعتبار الدفاع عن الوطن وحماية بيضة الإسلام من الواجبات الدينية.
2- عملهم على إنشاء مدارس خاصة لا تخضع للنظام التعليمي للمحتل، تدرس فيها المواد التي تحافظ على الهوية وتنشيء الأخلاق والقيم، وفي المقابل منع أبنائهم من الالتحاق بمدارس المحتل.
3- الوقوف في وجه المخططات التي تزعزع وحدة المغاربة كالظهير البربري.
4- دحض تلبيسات المحتل ومحاربة مظاهر التغريب التي حاول فرضها على المغاربة.
فهل نجح المقاومون المغاربة في طرد المحتل والحفاظ على الهوية الدينية للمغاربة؟
نعم لقد استطاع المقاومون المغاربة بشجاعتهم وبسالتهم وجهادهم الطويل إخراج المحتل من المغرب لكن للأسف لم يكن خروجه إلا عسكريا، فقد قام المغرب الحر بسياسات المحتل في كل المجالات، وتسلم أمور البلاد المتأثرون بثقافة الغرب العلماني، ومن كان يحمل مشعل الدفاع عن هوية الوطن يقابل بالإقصاء أو الاحتواء.
وبهذا نعلم أن المغرب لم يتخلص بعد من أشد أنواع الاحتلال وهو الاحتلال الفكري والثقافي -الذي تعاني منه جل الدول الإسلامية-، فالمغرب حريص على الانخراط في جميع مشاريع النظام العالمي الجديد وإن كان ذلك يعارض الهوية والدين، وهو ما يفسر التدهور الخطير تعاني منه البلاد والعباد على مستوى الأخلاق والقيم وانتشار الفساد في جميع المجالات والتخصصات مما أفرز وضعا ينبئ عن احتقان شعبي تظهر صوره بين الفينة والأخرى..
إن ذيوع الثقافة التافهة الواردة من الغرب في الحياة العامة المغربية كانتشار المهرجانات السينمائية والموسيقية، والتسويق لحرية الشذوذ، والسياحة الجنسية، وشيوع الفكر العلماني الذي يجعل التدين حبيس ممارسات فردية في أماكن العبادة، واعتبار التمتع بالحقوق الكونية فوق الواجبات الدينية، يرد محاولة ادعاء الاستقلالية الوطنية عن المحتل السابق وسياساته.
إن هدف رجال المقاومة الذي كانت تحيى به وهو الدفاع عن الدين والقيم، كان يشكل تهمة عند المحتل الذي كان يعمل على سلخ الشعوب من مرجعيتها وقيمها ويلقب المقاومين لمشاريعه بالإرهابيين. وهي التهمة نفسها التي يلصقها بكل من يريد ربط القلوب بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح، وهي التهمة التي يوزعها المستغربون والعلمانيون الحاقدون أدعياء الحداثة بكل من يدعو إلى التمسك بقيم الإسلام، ظلامية ورجعية وتشدد، ويعتبرون كثرة المهرجانات السينمائية والموسيقية والانعتاق والتحرر من قيود الشرع تنورا ومسايرة للعصر، بل ويعتبرون الشذوذ والزنا والتفسخ حرية فردية، هذه الحرية التي أضحت لها عند العلمانيين من القداسة ما يجعلها إلها من دون الله، فإن تعارضت مع الدين والقيم وكل مقومات الهوية فالسبق للحرية الفردية.
إن الاحتفال باليوم الوطني للمقاومة لا يتأتى إلا بالسير على درب المقاومين في رفض سياسات المحتل العلماني التي لا زالت تفرض على مجتمعنا إلى اليوم وبشكل عصراني وأكثر فتكا لقيمنا وهويتنا، فلا بد إذن من أن تستمر المقاومة وتحيى لتحارب القيم الفاسدة التي استشرت في جسد بلدنا الحبيب، قال ربنا جل في علاه: “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً” (الأحزاب: 23). أما العلمانيون فقد بدلوا كل شيء، وخربوا كل المفاهيم حتى عاد أشنع الإفساد يروج باسم الإصلاح.