«إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة» من آثار الإيمان باسم الله السميع (تتمة) ناصر عبد الغفور

التعبد لله تعالى باسمه السميع
لا ريب أن من أعظم ثمار الإيمان بأسماء الله جل في علاه أن تظهر آثارها على العبد، وذلك هو حقيقة التعبد بها، وأعلى أنواع دعائه سبحانه بها، وأزكى ثمرة يجنيها العبد من إيمانه باسم الله السميع مراقبته سبحانه في كل ما يلفظ به، فيوقن أن ما من كلمة تخرج من فيه إلا وهناك رب سميع حافظ لها، وأنه سبحانه قد وكل به ملكين يرقبان ويسجلان ما يلفظ به كما قال تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} (سورة ق).
قال مجاهد: «{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}: عن اليمين الذي يكتب الحسنات، وعن الشمال الذي يكتب السيئات»، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل، وحافظين في النهار، يحفظان عليه عمله، ويكتبان أثره»(1).
وقال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)} (الانفطار).
وقد اختلف العلماء في هذا التسجيل:
فمنهم من قال إن الملكين يسجلان ويكتبان كل ما يتلفظ به الإنسان؛ وهو قول الحسن البصري وقتادة.
ومنهم من قال إن الملكين إنما يكتبان ما فيه ثواب أو عقاب؛ وهذا القول مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
فعن «علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر، حتى إنه ليكتب قوله: «أكلت، شربت، ذهبت، جئت، رأيت»، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله، فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر، وألقى سائره، وذلك قوله: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)} (الرعد)، وذكر عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه، فبلغه عن طاووس أنه قال: يكتب الملك كل شيء حتى الأنين، فلم يئن أحمد حتى مات رحمه الله»(2).
وظاهر الآية يؤيد القول الأول، لأن كلمة: «ما» كما هو معلوم تفيد العموم، والأصل حمل الكلام على ظاهره، والظاهر في الآية العموم، إلا أن يقال إن العام قد يراد به الخصوص.
وكيفما كان فعلى العبد أن يراقب الله تعالى في كل ما يتلفظ به، ويحسب ألف حساب قبل أن يتكلم بكلمة، وكما قال بعض السلف: «من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفع».
قال الحسن البصري رحمه الله وقد تلا قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}: «يا ابن آدم، بُسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك، والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتى إذا مت طويت صحيفتك، وجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقول: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14)} (الإسراء)؛ ثم يقول: عدل -والله- فيك من جعلك حسيب نفسك»(3).
ولا بأس أن أذكر نفسي وإخواني القراء ببعض آفات اللسان التي يجب على كل عاقل أن يجتهد في اجتنابها لكيلا يجد غدا في صحيفته ما يسوؤه منها، وليضع نصب عينيه قول البارئ سبحانه: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وقبل التذكير ببعض هذه الآفات أنقل بعض ما ورد في فضل الصمت، هذا الصمت الذي غفل الكثيرون عن كونه غنيمة كبرى ونعمة عظمى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-(1) روى هذين الأثرين الإمام ابن جرير في جامعه.
-(2) تفسير ابن كثير (7/399)، دار طيبة للنشر والتوزيع. وبالنظر إلى كلام ابن عباس رضي الله عنهما يمكن القول إنه ليس هناك خلاف كبير في هذه المسألة، فالكل يقر بأن الملكين يكتبان كل شيء، إلا أن عند ابن عباس رضي الله عنهما يتم تصفية الكلام فلا يثبت إلا ما فيه خير أو شر.
-(3) جامع البيان في تأويل آي القرآن (22/345).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *