العمليات العسكرية في سوس والمغرب الشرقي (1913م) ذ. إدريس كرم

 

في سوس

سبقت الإشارة للمسيرة الناجحة للمحلات الشريفة بقيادة مولاي الزين أخ السلطان، والقيادة الفعلية للقائد الحاج التهامي لكلاوي والقائد لمتوكي والقائد الكندافي ولحد الآن لا شيء تحقق في اليد، ذلك أن سوس ما تزال بأجمعها تحت سلطة الهبة الذي يزعم تقديم الحماية للسلطان.

يوم 18 ماي وصلت محلات مولاي الزين أمام تارودانت وأمهلت الهبة أربعة أيام للخضوع وإعلان الطاعة؛ وترجمة للإنذار تحركت المحلات يوم 22 ماي متقدمة نحو المدينة، وعسكرت في تازمورت جنوب المدينة في اتجاه الشمال مقابل قوات الهبة، فدارت مناوشات بين المتواجهين لمدة أربع ساعات كان النجاح حليف المحلات السلطانية حيث استطاع الحاج التهامي والقايد الكندافي بما معهما من قوات طرد أنصار الهبة من المدينة تاركين حوالي 500 قتيل بها.

يوم 23 ماي المحلات الشريفة احتلت موقع سيدي اعمارا المتحكم في تارودانت، واستقبلت طاعة أكبر قبيلة في هوارة، نفس اليوم تم الاستيلاء على تارودانت وفر الهبة متنكرا ملاحقا من قبل فرسان المخزن.

أثناء تحقيق هذا النصر كانت محلة القايد لمتوكي قد اجتازت الأطلس عبر مضيق أمسكرود ووصلت يوم 24 ماي لشمال تارودانت لتساعد في استكمال النصر.

من جهة أخرى جنوب موكادور في قبائل إدا وكلول الخاضعة، القائد الحاج لحسن خليفة الكلولي كون تلقائيا حركة برئاسته تحت ضغط من السكان الساخطين عن مثيري العوائق من مشايعي الهبة المقيمين على جنبات طريق التبادل التجاري بين موكادور وأكادير ومعرضي القوافل للنهب أو أداء إتاوات باهضة للحماية والمرور.

حركة الحاج لحسن لم تقو على الاستيلاء إلا على جزء من مدينة أكدير، وأمام قيام أنصار الهبة بهجوم مضاد ضده لاستعادة ما استولى عليه من المدينة، تراجع عنها نحو الشمال مسافة 12 كلم على الساحل.

في موقعه ذاك توصل من موكادور بواسطة البارجة الحربية دوشايلا بتموين وذخيرة تساعده في التحرك على طول الساحل، تلك المساعدة أتاحت له الاستيلاء على قصبة أكادير في 31 ماي بعدما غادرها خليفة الهبة.

منذ هذا النجاح نودي بمولاي يوسف سلطانا في تارودانت وعموم سوس، بعدما انضوت أغلب قبائل سوس تحت لواء المخزن، من راس الماء منبع واد سوس لغاية نواحي تزنيت حيث توجد بؤرة خاضعة.

الهبة فر، أو لنقول لجأ لقبيلة جبلية بالأطلس الصغير، حيث إدا وباعقيل المتواجدة جنوب سوس بمئة كلم، لكن من المحتمل أن لا يمكث هناك طويلا، على الأقل بسبب التغيرات المحتملة دائما في هذا البلد خاصة بحضور قوات مغربية خالصة، مما يجعلنا نعتبر أن مسألة سوس والهبة في سوس اليوم منتهية.

سنكون جد مبتهجين إذا ما فزنا دون أن ننشر قواتنا في الأراضي المحتلة، بدون شك بعثنا في الأيام الأخيرة لأكادير قوات لتتسلم قصبتها قصد التمركز فيها مكونة من فوج مختلط من زواوا والقوات المغربية المساعدة وفصيلتي مدفعية؛ هذه القوات لن يكون من مهامها متابعة التوغل الفرنسي في الداخل بل ستكون مهمتها تقديم الدعم للمحلة الشريفة التي تعمل على التهدئة لبعض الوقت جنوب الأطلس، ومن جهة أخرى السيطرة على كامل أكادير وإقامة أمن يسمح بالتجارة مع واد سوس.

النتائج التي تم التوصل لها في سوس باعتماد الأهالي كانت أحسن وسيلة استخدمها الجنرال برولارد والكومندار سيمون، حيث تم توفير المساعدات على كافة الصعد، وكذا تحرك القوات الأوربية في البلاد، خاصة وأنها ليست بالكثيرة في الإمبراطورية الشريفة.

في المغرب الشرقي

سبق الحديث عن الكيفية التي أقام بها الجنرال أليكس مركز قصبة امسون تحت قيادة الكولونيل فيرود، وإرجاع مهاجميه عبر الطريق التي جاؤوا منها.

يوم 24 ماي 1913 دخل الجنرال أليكس ميرادا بقوة ضخمة، وفي نفس اليوم تعرضت امسون لهجوم جديد من قبل جماعة مكونة من لمطالسة وبني بويحيى وخاصة لبرانس بلغ تعدادها ما بين 800 و1000 رجل، فتم التصدي لهم بهجوم مضاد من قبل الكومندار دورييز فتركوا 25 قتيلا بأسلحتهم وتجهيزهم، وخسرنا نحن 10 جرحى.

يوم 26 ماي 1913 الجنرال أليكس خطط لمعركة جديدة قصد الاستيلاء نهائيا على امسون، فذهب مع قوات متحركة من 15 سرية، كتيبتي 75، فصيلتي 65، أربع كوكبات ونصف، والكوم المغاربة؛ في هذا الوقت تم الإشعار بالتهديد من قبل تجمعات في الشمال تتكون من حوالي 2000 بندقية، وأخرى في الشمال الغربي مكونة من حوالي 3000 بندقية، وفي الغرب بضع مئات من فرسان غياتة.

يوم 28 ماي 1913 خرج الجنرال أليكس من امسون لتشتيت تجمع الشمال قبل أن يلتقي بالتجمعين الآخرين.

في الساعة السابعة صباحا بمجرد ما لاح معسكر الأعداء للقوات المتحركة حتى هاجمت من فيه ودارت معركة قاسية، لكن بسرعة لاح اقتراب حركة أخرى كونها لبرانس تضم حوالي 3000 مقاتل للمشاركة في المعركة.

بينما كان الجنرال تريموليت يتابع القتال ضد لمطالسة توصل الجنرال جراردو بأمر للتوجه مع جزء من القوات للأمام لتوقيف تقدم لبرانس، فنجحت المهمة، ولم يقو البرانس على مقاومة نيرانه المركزة على طول خط القتال، فتبعثرت صفوفهم فتراجعوا نحو عين أغبال التي جاؤوا منها، وعاد هو على عجل، لعين العرب كي يشارك في معركة ضد لمطالسة الذين تراجعوا للجبال.

في الساعة الحادية عشر كانت كل المجموعات المغربية التي قدمت للمشاركة في المعركة راجعة من حيث أتت ولم يبق منهم على تصميمه إلا فرسان غياتة الشجعان، لكن عددهم كان قليلا، بضع مئات فقط، ترك الجنرال جراردو معالجة أمرهم لقوات المؤخرة، التي أنهت مقاومتهم وجعلتهم يغادرون واد امسون بسرعة عائدين من حيث جاؤوا.

في منتصف النهار كانت المعركة منتهية، لكن الجنرال أليكس أراد أن يزيد إضافة للدرس الذي سبق أن لقنه للمغاربة، فبعث بالكوم ليحتلوا دواوير الناحية القريبة، اولاد بوريما ويفتشوها بعناية بالتتابع بحثا عن المقاتلين الذين كانوا قد أخذوا حذرهم وغادروها بعيدا.

قصبة عين العرب التي كانت محل تجمع حركة لمطالسة قصفت ودمرت، وشوهد سكان قصورها فارين نحو تازة، محملين بما قدروا على حمله من متاع في فرارهم.

هذه المعركة كبدت الأعداء خسائر كبرى، حيث تركوا في الميدان حوالي 100 جثة من حوالي 5000 مقاتل كانوا قد تجمعوا لها؛ نحن أيضا مع الأسف تكبدنا خسائر خاصة في القتال وجها لوجه، فقد فقدنا ثمانية قتلى بينهم ضابط قناصة و28 جريحا بالسلاح الأبيض، الذي قتل فيه الضابط السابق ذكره بوصفه قائد الفصيلة التي تعرضت للإبادة ولم ينقذ جرحاها إلا تدخل الكوكبة المتحركة المساعدة التي ألجأت الأعداء للفرار بفضل حيويتها.

تعرض ليوطنا كولونيل تينان الذي كان يقود الطليعة لطلق ناري من قبل مغربي كان مختبئا على بعد أمتار منه وهو مار على فرسه، فأصيب إلا أنه لم يسقط عن الجواد، فقتل مرافق الكولونيل المهاجم المغربي.

في المساء عسكر الجنرال أليكس مع كل القوات في واد امسون، في مكان تجمع الحركة التي جاءت لقتالنا ومكان المعركة أيضا؛ المهاجمون لجأوا لأماكن بعيدة عنا، وساد الهدوء التام ناحية امسون.

العمليات الأخيرة وضعت نهاية لوضعية الرفض المتطرف ضدنا، هوارة الخاضعين بدأوا يتعرضون للإغارة عليهم من قبل القبائل التي ترفض انضواء بلادها تحت السلطة الفرنسية.

بعد بضعة أيام جاء إنذار بتجمع حركة قرب تازة، الثائر المحرض الشنقيطي نادى بالجهاد في أعالي واد يناون وأذاع في القبائل بأن الحضور الفرنسي في امسون يهدد بإخضاعهم، لذلك يجب طرده بأي ثمن، وشرح لهم التحدي في 24 ماي 1913 بعدم الركون لغلط تجميع كل القوات المغربية في نقطة واحدة، بل تركيز حركتها قرب تازة والذهاب لمسون في قوة مجتمعة.

لحد الآن الأمر ما يزال على مستوى النقاش ولا يعني أن الحركة قد استعدت للمسير، نتركها للحديث عن كولون البوليس المبتعث للشمال الشرقي بناحية فاس لتهدئة القبائل في أعالي واد يناون، كيفما كان الحال الجنرال أليكس ترك مجموعة تشتغل بتركيز في الصفصافة مستعدة لكل طارئ جديد يهدد جانب امسون.

مع الأسف أخبر بأن في مؤخرة هذه النقطة وبنواحي ملوية مباشرة، تم التحضير لهجمات صغيرة ونهبِ بني بويحيى الخاضعة. (إفريقيا الفرنسية 1913 ص:217، وما بعدها).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *