الحريات الفردية.. الخراب القادم والدمار الشامل د.أحمد اللويزة

 

يحكي أحد الاستاذة يقول؛ في أحد أيام رمضان المبارك دخلت علي التلميذة مع صديقتها وأغلقت الباب وشرعت تبكي بحرقة طالبة من الأستاذ أن تعرض عليه مشكلتها، قال لها تفضلي، قالت وبالحرف: “واحد السيد ضحك عليا”.

يقول الأستاذ: اهتز كياني وتضايقت نفسي خاصة وأن التلميذة هي بالذات تلك التي كنت أحذرها أكثر من مرة من هذا المصير السيئ لكل من تركب صهوة الهوى واللامبالاة، وقد كانت كذلك؛ ترد بكل ثقة في النفس أنها تعرف ماذا تفعل.

يقول الاستاذ: كنت أظن أن أحدهم فض بكارتها وراح وتركها بعد بحر متلاطم الأمواج من الوعود الكاذبة، ليبحث عن ضحية أخرى، في حين بقيت المسكينة الواثقة في وعود الذئاب والعائمة في سراب الأحلام تعاني المرارة والأسى والألم لوحدها، كان هذا هو ما يجول في خلد الأستاذ وهو يحاول أن يواسيها وأن يخفف عنها ألم المعاناة، وأن المهم الآن هو التوبة والاستفادة من دروس الحياة، وأن تبدأ حياة جديدة مع الله، وأن الله سيتولى أمرها وتتجاوز محنتها إن هي صدقت في التوبة والإنابة.

بينما الأستاذ يتحدث بهذه الكلمات لا يدري أن التلميذة أصبحت مشروع “أم عازبة”؛ إنها حامل يا أستاذ هكذا قالت صديقتها بمرارة وحرقة ودموع منهمرة، وعبرة خانقة.

يقول الأستاذ لقد سقط في يدي وكاد قلبي ينخلع، وأوصيتها باللجوء إلى الله مذكرا لها بنصائحه لها من قبل، حتى لا تقع فيما هي فيه الآن.

هذه قصة تلميذة تخفي خلفها قصصا عديدة، الله أعلم بأحداثها ومصيرها ومآلها، نتيجة واقع متفلت من الأخلاق والقيم، تتسع رقعة انفتاحه، وخرق انحرافه عن قيم الإسلام وتعاليمه الفاضلة التي تصون المرأة وكرامتها وتحفظ للمجتمع تماسكه وطهره. وتمنع من تدهور المجتمع أخلاقيا وقيميا، وما يترتب على ذلك من مشاكل أمنية واقتصادية واجتماعية لا تستطيع أي قوة مهما كانت أن تواجهها أو تواجه كوارثها ومخاطرها على الحياة بصفة عامة.

إن الحديث عن الزنا وتوابعها اليوم، من الإجهاض وأبناء الزنا واللقطاء والمتخلى والأمهات العازبات، أمر يجب أن ينخرط فيه المجتمع برمته، وإلا فإن السكوت عنها ينذر بأيام سوداء قاتمة ترسل نذرها بين الحين والحين. ولكن لا من يستجيب، بل نجد من بيننا من يستعجل هذا الخراب والدمار بمطالبته بإباحة الزنا واللواط والخيانة الزوجية.. دون أن تأخذه النخوة وتتحرك فيه الغيرة، بل إنهم بالنظر إلى إصرارهم على ذلك لا يشك عاقل في خيانتهم للمجتمع والوطن.

فكيف يطالب هؤلاء بإطلاق العنان للحريات الفردية والتي يركزون فيها على الجانب الشهواني الجنسي، وجعل الأمر مباحا مشاعا بدون عقاب ولا استنكار. وهم يرون العالم الغربي الذي يتخذونه قدوة ونبراسا في الحياة يغرق يوما بعد يوم في وحل الاباحية وتوابعها؛ مجتمع متفكك ومهترئ، علاقات أسرية متحللة لا روابط ولا تواصل ولا توادد ولا رحم، الأرقام مرعبة عن عدد الأطفال الذين لا يعرفون آباءهم تتجاوز النصف في بعض الدول. الاغتصاب والخيانة والقتل بسبب ذلك شيء مرعب. ومن يتابع التقارير الوطنية في نفس الموضوع سيصدم  من هول الأرقام.

كل ذلك بسبب إباحة الزنا، وللتفصيل أقول؛ من سيضمن أن هذه الضحية وأمثالها بالعشرات أنها لن تنتحر تحت ضغط الهموم والأحزان وصراع الفطرة والشعور بالذنب، ربما سيقولون أنها ستعرض على طبيب نفساني، نعم قد يخفف من معاناتها لكن هل ستقبل بأمر تعلم في قرارة نفسها أنه ليس صائبا، بل لم تعترف بصوابه حتى تلك التي ليست بمسلمة، فكيف بهذه التي تعتبر نفسها مسلمة. من سيضمن أنها ستتجاوز الصدمة وتألف الأمر ولا يهمها من بعد أن تحمل أو لا تحمل على أساس أن البداية هي الصعبة، وأنها قد تجاوزت المحنة بسلام.

ومن جهة أخرى من سيتحمل تكاليف ومصاريف هؤلاء “الأمهات العزبات”، وهن في ازدياد مضطرد يسابق الزمن، أليست مصاريف الملاجئ والمراكز تصرف من جيوب دافعي الضرائب الذين هم في أمس الحاجة إلى مشاريع تنموية حقيقة في كل المجالات الاجتماعية والصحية والتعليمية والإدارية والخدماتية المتنوعة، فإذا بأموال هذه المشاريع تنفق على فتيات قادتهم شهوة عابرة ورعونة زائدة أو غباء وبلادة أو طمع في وعود زائفة وأحلام صارت كوابيس في ما بعد. وبهذا ترتفع نسبة أطفال الزنا في المجتمع، لأن نظرية بني علمان تعالج النتائج ولا تعالج الأسباب؛ وكأن المشكل انتهى عند هذا الحد، وليس كذلك.

فتصوروا أن طفلا يعيش بيننا -وهم أصبحوا اليوم بالآلاف وغدا سيصبحون بالملايين- ليس له أي روابط اجتماعية في الحياة، لا أب ولا أم ولا جد ولا جدة ولا خال ولا خالة ولا عم ولا عمة ولا ولا.. وكل هذه الروابط الاجتماعية ترتبط بوجدان الإنسان وعواطفه ومشاعره التي يحتاج إلى مبادلتها مع أفراد أسرته، كل بقدره وبحسب موقعه من خريطة الروابط الاسرية.

فكيف سيعيش هذا الإنسان وهو فاقد لهذه المشاعر في الوقت الذي يرى فيه آخرين سعداء بآبائهم وأجدادهم وأعمامهم وأخوالهم وهلم جرا؟ كيف سيكون هذا وذاك الذي له أم وليس له أب؟ كيف سيكون رد فعله حين يطالبه الأستاذ باستدعاء أبيه مثلا؟

فلا يمكن أبدا وباعتبار أننا مجتمع مسلم -الإسلام راسخ بجذوره في القلوب- أن يتسامح هؤلاء الأطفال بعد توالي الأزمات والصدمات النفسية مع المجتمع الذي سمح بخروجهم إلى الوجود بطريقة غير إنسانية ولا قانونية ولا شريعية تخول لهم العيش بسلام وفق ما تقتضيه الفطرة والنفسية والروابط المجتمعية.

فالنتيجة هي الانتقام بشتى الطرق من هذا المجتمع، فمن سيكون لهذا الإجرام والانحراف والأمراض النفسية؟ ماذا لو صار هؤلاء في وقت من الأوقات مشرعين في البرلمان، ومقررين في مواقع المسؤولية؟ من يضمن أن يتعامل هؤلاء بنفسية متوازنة دون انتقام وردود أفعال وقرارات السخط والكراهية؟ فصعب على الإنسان أن يعيش بلا عواطف ولا مشاعر صادقة أن تكون له مشاعر نحو المجتمع خاصة وحتى الكون عامة.

هذا إضافة إلى مشكل أخلاقي مقزز مستفز آخر، وهو وقوع الزواج بين المحارم؛ فكم من ولد سيتزوج أخته  أو عمته أو خالته.. فكم من فتاة لم تتوقف عند ولادة طفل واحد، وكم من ذئب لم يكتف بضحية واحدة، وكم مولود سيخرج من صلب هذا الرجل غير شرعي، طبعا إنها “الأبوة الطبيعية” المشتركة لذكر وأنثى، ربما نشأوا في ملاجئ وخيريات، وتم تزويج أحدهم بأخرى دون العلم بأن لهما نفس الأب، وكم سيقع من مثل ذلك بسبب ما سيدخل على البيوت من أبناء ينسبون لغير آبائهم بسبب الخيانة الزوجية؟

هكذا وبغيره من نتائج كارثية يخرج المجتمع عن بشريته المنضبطة المقاصدية الغائية النبيلة، إلى الحيوانية البهيمية المتفلتة، إن لم يكن عالم الحيوان أفضل من عالم كثير من البشر.

إن التصرف بدون تفكير، واتخاذ القرار بدون تبصر، وبيع الضمير سيورد الأمة في مهالك لا حصر لها سنؤدي جميعا ثمنها، خاصة إن لم يتق الله دعاة الحرية الاباحية، ولم يتدخل شرفاء الوطن لتوقيف نزيف القيم والأخلاق والكرامة.

في النهاية يقول الأستاذ أنه رأى التلميذة بعد مدة يسيرة في حالة تظهر أنها تجاوزت الصدمة، وعلى هيئة قد تدل على أنها استأنست بالأمر، وأنه ربما لا يسوؤها مرة أخرى أن يضحك عليها أحدهم أو تضحك هي عليه. أما ما كان في بطنها فلا يدري هل أجهضته أم ولدته ورمته أم وهبته أم صدرته ام باعته؟ الله أعلم.

“ما صعيبة غير البداية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *