قد يتعلل بعض المستهزئين بأنه يمزح مع من يستهزئ بهم ويسخر منهم، ونسي أولئك أن للمزاح المشروع ضوابط لا يجوز تعديها، ومن هذه الضوابط:
– ألا يكون في المزاح شيء من الاستهزاء بالدين أو شيء من مظاهر التدين، لقوله تعالى: {ولَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ ونَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وآيَاتِهِ ورَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ } (التوبة:65-66).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه) (مجموع الفتاوى 7/273).
– ألا يقول إلا صدقاً ولا يكذب:
ولا سيما أولئك الذين اعتادوا ذكر الطرائف بقصد إضحاك الناس. قال رسول صلى الله عليه وسلم: “ويل للذي يُحدِّث بالحديث ليُضحِكَ به القوم فيكذب ويل له ويل له”.(رواه الترمذي).
وقال صلى الله عليه وسلم: “إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليُضحِك بها جلساءه يهوي بها في النار أبعد من الثريا”. (رواه أحمد).
– ألا يكون المزاح بالسخرية والاستهزاء بالآخرين:
وقد عد بعض أهل العلم ذلك من الكبائر، كما مر معنا في آية سورة الحجرات، وقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: (المراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم والاستهزاء بهم، وهذا حرام، ويُعد من صفات المنافقين).
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء المستهزئين أن يبتلوا بمثل ما يستهزئون بالآخرين وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تُظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك”. (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب). وبصفة عامة فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السخرية من المسلمين فقال: “المسلم أخو المسلم لا يظـلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى هاهنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ بِحَسْبِ امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه”. (رواه مسلم).
– أن يُنْـزِل النـاس منـازلهم:
إن العلماء والأكابر لهم من المهابة والـوقار مـنـزلة خاصة، ولأن المزاح قد يفضي إلى سوء الأدب أحيانا فينبغي الابتعاد عن المزاح مـعـهـما خشية الإخلال بتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقول: “إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم” (رواه أبو داود).
ونقل طاووس عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه قـال: (مــن الـسـنـة أن يـوقَّـر العالِم). وكذلك من آداب الإسلام ألاَّ يمزح مع الغريب الذي لا يعرف طبيعة نفس المازح؛ فـهــــذا يؤدي إلـى احتقار المازح والاستخفاف به؛ فهذا عمر بن عبد العزيز يرسل إلى عدي بن أرطأة فيقول: (اتقوا المزاح؛ فإنه يُذْهِبُ المروءة).
– ألا يكـون فيه غيبـة:
في كثير من الأحيان لا يخلو المزاح من الغيبة؛ لأن من كثر كلامه كثر سقطه، والمازح المغتاب لا يشعر أنه وقع في الإثم أصلاً؛ لأنه يظن أنه عند المزاح له أن يقول ما يشاء دون حرج. ومثل هذا لم يعِ تعريف النبي صلى الله عليه وسلم للغيبة حين قال: “ذكرك أخاك بما يكره”(رواه مسلم).
أخيرا ينبغي لمن أراد المزاح أن يتأدب بهذه الآداب وغيرها، وأن يجتنب السخرية والاستهزاء فإنهما من الكبائر.