سلفية إلياس العماري!! مصطفى الحسناوي

في زلة لا تليق بمقامه٬ جانب الدكتور العلامة إلياس العماري الأمين العام للحزب التقدمي الحداثي المخزني٬ الصواب حين صرح في لقاء جمع السفراء المعتمدين في الرباط٬ أنه لا يوجد لدى المسلمين أو في القرآن وكذلك في السنة النبوية شيء اسمه “إسلامي”، معتبرا أن هذه الكلمة غير موجودة بشكل نهائي، ومضيفا أن مسألة الفكر الإسلامي لا تعدو أن تكون “تأويلا خاصا ومعينا للإسلام من قبل جماعة معينة”.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يكبو فيها فرس إلياس٬ أو الأحرى يتعثر حماره٬ خاصة حين يلبس جلباب المفتي أو المفكر الإسلامي٬ ويعتمر عمامته٬ مصرا على اقتحام هذا المجال٬ قد يقول قائل وما دخل الدكتور إلياس بالدين؟ وهو التاجر (في…) ذي الخلفية الماركسية اللينينية. والذي أنهى تعليمه في المرحلة الإعدادية٬ ليتفرغ للاتجار… الجواب في تلك الخلفية والإيديولوجية نفسها التي تربى عليها المفكر إلياس٬ أليس ماركس هو من قال الدين أفيون الشعوب٬ الدكتور إلياس التقط الإشارة وآمن بظاهر الحديث السقيم الذي رواه ماركس٬ فاعتقد بحرفية النص٬ وأن الدين أفيون حقا٬ وبدأ يستعمله على أنه نوع من أنواع المخدرات٬ ثم جعله من أولويات تجارته.
يمكن أن يخطئ الإنسان خاصة إذا كان تحت تأثير الأفيون مثلا٬ أو إذا تكلم في غير تخصصه٬ أو تخصص في الجماعات الإسلامية وهو شيوعي فاشل٬ وحتى إذا قفز من الإعدادي إلي مناقشة الدكتوراة مباشرة٬ وارد جدا أن يقع في أخطاء فادحة٬ لأنه حرق مراحل ومستويات.
الأسباب التي تجعل الإنسان يخطئ٬ كلها متحققة في الشيخ إلياس٬ لهذا سنحسن الظن بالدكتور إلياس٬ لأن زلته سببها الخطأ٬ وليس التحامل والقصد٬ وسندردش معه بهدوء٬ في قوله أن كلمة “إسلامي” لم تذكر في القرآن.
طبعا لا يريد الفقيه إلياس أن يقول لنا أن مصطلح “إسلامي” غير شرعي٬ وأنه لا أصل له في القرآن٬ وعلينا أن نختار مصطلحاتنا ومفاهيمنا من القرآن والسنة٬ لأنه إن قصد ذلك٬ سيرد عليه الكثير من الناس بالقول أن الحداثة والعلمانية والديمقراطية والأصالة والمعاصرة كلها كلمات ما أنزل الله بها من سلطان.
إذا كان الدكتور لا يريد هذا المعنى٬ فهل يقصد مثلا: “إن كنتم أيها الإسلاميون تعتقدون أن مصطلح إسلامي مصطلح شرعي٬ فإنكم واهمون٬ وقد أخطأتم طوال هذه العقود٬ لأنه لم يرد به ذكر لا في القرآن ولا في الحديث”٬ لاشك أنه إن قصد هذا٬ سيكون ورط نفسه في موضوع أكبر منه٬ لأن المغاربة ومشروعية سلطتهم السياسية٬ تمتح من مفاهيم ومصطلحات ومرجعية٬ لم ترد في قرآن ولا سنة٬ فأين المذهب المالكي في القرآن وأين عقيدة الأشعري وتصوف الجنيد٬ وأين إمارة المومنين٬ والبيعة بشكلها الحالي٬ وأين الأضرحة والمواسم وعيد المولد النبوي٬ أين كل ذلك في القرآن؟
ربما قصد الأمين العام لحزب الجرار٬ أن الإسلاميين رغم أنهم يدعون الإسلام إلا أنهم لا يفهمونه جيدا٬ ولا ينطلقون منه٬ طيب هذا دليل على أنهم غير جامدين على قوالب جاهزة٬ ومصطلحات بالية٬ فهم يطورون مصطلحاتهم ومفاهيمهم٬ وهذا يحسب لهم لا عليهم.
إن الخلفية التي ينطلق منها العماري والنفس الذي يتحدث به٬ يقطع المجال أمام كل التخمينات والظنون التي ذكرنا٬ المفتي العماري يا سادة٬ يريد أن يقول أن هؤلاء الإسلاميين دخلاء على البلاد بفكرهم ومشروعهم وعقيدتهم٬ وحتى اسمهم الذي اخترعوه ليدغدغوا مشاعر الناس وعواطفهم٬ وهو اسم مخترع لم يعرفه المسلمون. بعبارة أخرى إلياس العماري تحول إلى سلفي٬ يقول ببدعية التسمي بالإسلامي٬ لأن السلف لم يعرفوا هذه البدعة المستحدثة٬ كانوا مسلمين وكفى٬ ولم يعرفوا هذه الإيديولوجيات والتسميات والتحزبات.
المقام هنا لايحتمل الاستهزاء والسخرية٬ لأن الشيخ يؤصل للمسألة بمنهج علمي٬ فالرجاء ممنوع الضحك٬ لأن إلياس الذي ناقشناه أعلاه انطلاقا من الأفيون٬ أقصد أفيون الشعوب٬ هو غير إلياس الذي سنناقشه هنا٬ إلياس السلفي الأصولي٬ إلياس الأصالة هو غير إلياس المعاصرة.
الدكتور إلياس المتخصص في اللغات واللسانيات٬ قال في أحد المقابلات الصحفية أنه يتقن اللغتين الأمازيغية والعربية٬ فهو بلا شك٬ يعرف درس النسب في اللغة العربية٬ لكن لا بأس أن نذكره به، فنقول أن النسب: هو أن تلحق آخر الإسم ياء مشددة مكسورة ما قبلها، للدلالة على نسبة شيء إلى آخر.
وتدل النسبة على الجنس كعربي أو أمازيغي٬ وعلى الموطن كمغربي أو شمالي وعلى الدين كإسلامي أو مسيحي أو يهودي أو نصراني أو بوذي أو علماني٬ أو الحرفة كتجاري وصناعي٬ أو صفة من الصفات كفضي جوي رمادي.
وإسلامي شيخنا إلياس كما درست٬ وأنت سيد الدارسين٬ تتكون من (إسلام+ي) إسلام: إسم٬ والياء للنسبة٬ وهكذا يكون إسلامي منسوبا إلى الإسلام. هذا لغة وها أنت تابعت معنا في هذا الدرس تواضعا منك٬ أن لا إشكال من الناحية اللغوية على هذا الإسم.
من الناحية الاصطلاحية٬ مصطلح إسلامي قديم جدا عرفه العرب والمسلمون منذ نهاية القرن الثالث الهجري٬ أي قبل أزيد من ألف ومائة سنة شيخنا إلياس العماري٬ فقد ألف أبو القاسم البلخي (الذي توفي سنة 316 هجرية) وهو من علماء المعتزلة كتابا سماه “مقالات الإسلاميين”. أبو الحسن الأشعري٬ الذي يتنازعه الأشاعرة والسلفيون٬ أيضا له كتاب بنفس الإسم.
وفي المغرب استعملت كلمة “إسلامي” في بداية القرن التاسع عشر وأواخر القرن الثامن عشر في مخطوطات بمدينة تطوان وبشمال المغرب.
كما استعملها المختار السوسي صاحب كتاب “المعسول”٬ وهو شيخ علامة أمازيغي مثلك٬ لكنه لم يبلغ درجة الدكتوراه. وأيضا صاحب كتاب “التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير”.
هذا عن منطقتنا وتاريخنا وثقافتنا العربية الإسلامية٬ بل المغربية٬ أما في المجال الأوربي٬ فقد ظهر المصطلح نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر ظهر استعمال islamist في الموسوعة البريطانية.
بعد أن تحدثنا بعجالة عن ولادة المصطلح زمانيا ومكانيا٬ نختم الآن بتطور مدلوله ومعناه٬ فقد استعمله الأوائل بمعنى أهل القبلة من جميع الطوائف والفرق٬ وفي المغرب كانت تطلق كلمة “إسلامي” على اليهود الذين أتوا من إسبانيا ثم أسلموا٬ حتى يتم التفريق بين المسلم الأصلي والذي اعتنق الإسلام حديثا. وأيضا على من كان والداه -أو أحدهما- كافرين فأسلما٬ ومن ذلك مثلا: قول صاحب المعسول -ضمن مذكرات القائد الناجم- والقائد الحبيب باقا الفطواكي الإسلامي الأم٬ وقد كانت أمه يهودية فأسلمت.
وفي الموسوعة البريطانية استعمل لفظ “الإسلامي” بمعنى المستشرق٬ ثم تطور عند الغرب ليأخذ معنى سلبيا غرضه التفريق بين عوام المسلمين٬ والعاملين للإسلام من الشيوخ والعلماء والدعاة والسياسيين. فكان مرادفا للتطرف والتشدد والإرهاب في القواميس الغربية.
وهكذا شيخنا إلياس السلفي٬ ترى أن لفظ “الإسلامي” موجود من قديم الزمن٬ واستعمله المغاربة أيضا من قديم الزمن٬ فهو موجود في ثقافتنا وتاريخنا وهويتنا٬ أما بالمعنى الذي قصدته أنت٬ فهو صنيعة غربية٬ الغرض منه التفريق بين المسلمين٬ وتصنيفهم إلى مسلمين عاديين٬ وهم الذين يستهلكون كل منتجات الغرب المادية والفكرية والمعنوية٬ وإسلاميين إرهابيين وهم كل من يريد استرجاع أمجاد الحضارة الإسلامية٬ ويساهم في نهضة شعبه انطلاقا من هويته وقيمه.
أما كلامك عن الفكر الإسلامي٬ وأنه لا يعدو أن يكون تأويلا خاصا من جماعة معينة، وطرائفك عن الدولة المسلمة، ونوادرك عن الفرق بين إمارة المؤمنين وإمارة المسلمين، فأعتقد أن الأمر أكبر منك وأصعب عليك٬ خاصة أنك ارتكبت هذا الخطأ الفادح والفاضح بخصوص لفظ “إسلامي”، حين أنكرته جملة وتفصيلا، لكن من الممكن جدا أن نناقش معك تلك المواضيع، إن أنت راجعت دروسك جيدا٬ وتفاديت مثل هذه الأخطاء، وأجريت مراجعات لسلفيتك الاستئصالية المتطرفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *