لا تتم زيارة ضريح “علي بن حمدوش” إلا بالمرور عبر أربعة مراحل، أولاها أخذ الطبق إلى ضريح “أحمد الدغوغي”، الذي يبعد عن قبة “علي بن حمدوش” بحوالي خمس إلى ست كيلومترات، ثم تأتي مرحلة النزول إلى الحفرة، حيث توجد هناك “عيشة الحمدوشية”، لتقديم القرابين وإشعال الشموع، وبعدها يأتي دور زيارة قبة “علي بن حمدوش”، حيث توجد بداخلها “محكمة للجن!”، وتأتي أخيرا مرحلة الاستحمام داخل بيوت تنبع منها عيون تسمى “عيون لالة عيشة مولات المرجة”، حينها ستتردد إلى الأسماع عبارات من قبيل: “الله ينفعك بالزيارة” “شايلاه آسيدي علي بن حمدوش”، “شايلاه آلالة عيشة الحمدوشية”، “عمرة” موسم علي بن حمدوش تكون سبعة أيام بعد المولد النبوي، وبالتحديد بعد انتهاء “عمرة” ضريح الهادي بن عيسى بمكناس، حيث تتنقل الأفواج الزائرة للشيخ الكامل مباشرة بعد ذلك صوب علي بن حمدوش.
رواد موسم “علي بن حمدوش”
كان موسم “علي بن حمدوش” إلى عهد قريب عبارة عن مكان لاحتراف أمور الشعوذة وإحياء ليالي “الحضرة”، ومحاكمة الجن، قبل أن يتحول الآن إلى موسم شعبي للشواذ؛ تراهم كالفطر يخترقون دروب المنطقة الضيقة، فقد حضروا بكثافة خلال هذه السنة لعمرة “علي بن حمدوش” ولم يعد منظرهم يثير الاستغراب ولا التساؤل، فالمكونات البشرية المداومة على حضور الموسم أصبحت ترى فيهم مكونا أساسيا يؤثث فضاء الموسم المليء بالتناقضات. فهم يجدون في هذه المناسبة فرصة للتحرر من الأغلال المجتمعية التي تجثم على أنفاسهم في أماكن إقامتهم ووسط أهاليهم، يتحللون من لباس الرجال الذي ينقمون عليه نقمة الأعداء ويتلحفون بدلا عنه العباءات الخليجية والقفطان المغربي والجبادور والإكسسوارات الحديثة والماكياج البارز والأشبه بمساحيق (ماكياج) عاهرات لا يخجلن في الإفصاح عن هويتهن.
فرواد الموسم بالإضافة إلى العرافات وزبنائهن هم شواذ وعاهرات، إضافة إلى زمر قليلة من الناس العاديين، وأغلبهم من نساء وشيوخ مسنين تتحكم فيهم سلطة المعتقد المنحرف.
وبالموازاة مع ليالي الحضرة التي تقيمها “الشوافات”، ينظم الشواذ ليالي للحضرة خاصة بهم, تراهم يتجمعون بعد أن يكونوا قدموا “العادة”، أي تقديم الذبيحة و”الأطباق” إلى ضريح “علي بن حمدوش” و”لالة عيشة”، هناك تذبح الذبائح على إيقاعات وأهازيج جيلالة وحمادشة وكناوة…
خطورة الشرك
من المقرر عند علماء المسلمين المعتمدين قاطبة أن من نواقض التوحيد الإشراك بالله بدعاء من سواه والاستغاثة به، وزيارة القبور لسؤال أهلها الحاجات والمطالب، وهذا هو الشرك الأكبر الذي حاربه الله وأرسل من أجله الرسل، قال تعالى: “وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم”.
قال ابن كثير في تفسير قول الله: “مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون”، هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَعَالَى لِلْمُشْرِكِينَ فِي اِتِّخَاذهمْ آلِهَة مِنْ دُون اللَّه، يَرْجُونَ نَصْرهمْ وَرِزْقهمْ وَيَتَمَسَّكُونَ بِهِمْ فِي الشَّدَائِد، فَهُمْ فِي ذَلِكَ كَبَيْتِ الْعَنْكَبُوت فِي ضَعْفه وَوَهَنه فَلَيْسَ فِي أَيْدِي هَؤُلَاءِ مِنْ آلِهَتهمْ إِلَّا كَمَنْ يَتَمَسَّك بِبَيْتِ الْعَنْكَبُوت، فَإِنَّهُ لَا يُجْدِي عَنْهُ شَيْئًا, فَلَوْ عَلِمُوا هَذَا الْحَال لَمَا اِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه أَوْلِيَاء, وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسْلِم الْمُؤْمِن قَلْبه لِلَّهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُحْسِن الْعَمَل فِي اِتِّبَاع الشَّرْع فَإِنَّهُ مُتَمَسِّك بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا اِنْفِصَام لَهَا لِقُوَّتِهَا وَثَبَاتهَا”.
فلا أحد يجيب الدعاء ويكشف الضر إلا الله، قال تعالى: “أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ”، قال الإمام القرطبي في تفسير قول الله تعالى: “وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا”، أَمْر بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَة لِلَّهِ، وَمُجَانَبَة الْمُشْرِكِينَ وَالْمُلْحِدِينَ”.
فالذين يتوجهون إلى هذه المواسم الموبوءة بالمخالفات الشرعية والمناقضة لما هو معلوم من الدين بالضرورة: سؤال للأموات، أضرحة وقبور، زنى وفجور، لواط وبغاء، تحت مرأى ومسمع من العالم أجمع، بل ومن السلطات التي من شأنها أن تعمل على الحد بل التصدي لمثل هذه المخالفات، لكفيل بنشر التطرف والإرهاب عند طائفة يغيظم انتهاك حرمات الله، فيتحركون من منطلق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للقيام بأعمال تخريبة يحسبونها شرعية.
وهنا أيضا نتساءل عن دور وزارة الأوقاف في القيام بوظيفة الإرشاد لما يروج من منكرات وبدع أجمع علماء المالكية على محاربتها والتصدي لها.
فتاوى علماء المالكية في المواسم البدعية
كثرت فتاوى علماء المذهب في زجر ما يروج في مثل هذه المواسم والأضرحة، ونظرا لضيق طبيعة المقالة نكتفي بإيراد فتوى لعالم وأخرى لسلطان فهما تغنيان عن غيرهما.
قال أبو عبد الله محمد بن اليمني الناصري الجعفري الرباطي رحمه الله في “ضرب نطاق الحصار” (ص66-67-68): “..ولا من يتخذ ضرائح الأولياء والصلحاء ملجأ وكعبة وقبلة يتوجهون إليها، كما يتوجهون إلى الله تعالى، ويتطوفون بها، ويتمسحون بجدرانها، ويقبلون درابيزها وكساها كما يقبلون الحجر الأسود، ويركعون أمامها بجوارحهم وجوانحهم، ويسجدون لها بكيفية أرقى من السجود لله، معفرين خدودهم على ترابها، بل لم يكن فيهم من يتلبس بالمنكرات وهو يعتقد أنها عبادة تقربه من الله زلفى، ولا من يبيع دينه بدنيا غيره مؤخرا الصلاة عن وقتها لخدمة شيخ من المشايخ أو حضور حضرته، ولا من يتخذ طبلا ولا مزمارا ولا آلة لهو وطرب في المعابد التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه”. اهـ
قال السلطان المولى سليمان رحمه الله تعالى:
“..واعلموا أن الله بمحض فضله أوضح لكم طرق السنة لتسلكوها, وصرح بذم اللهو والشهوات لتملكوها, وكلفكم لينظر عملكم, فاسمعوا قوله في ذلك وأطيعوه, واعرفوا فضله عليكم وعوه, واتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها متلبسون, و البدع التي يزينها أهل الأهواء ويلبسون, وافترقوا أوزاعا, وانتزعوا الأديان والأموال انتزاعا, بما هو صراح كتابا وسنة وإجماعا, وتسموا فقراء, وأحدثوا في دين الله ما استوجبوا به سقرا, “قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً..” الآية.
وكل ذلك بدعة شنيعة, وفعلة فظيعة, وشيمة وضيعة, وسنة مخالفة لأحكام الشريعة, وتلبيس وضلال, وتدليس شيطاني وخبال, زينه الشيطان لأوليائه فوقتوا له أوقاتا, وأنفقوا في سبيل الطاغوت في ذلك دراهم وأقواتا, وتصدى له أهل البدع من (عِسَاوَة و جِلالَة) وغيرهم من ذوي البدع والضلالة، والحماقة والجهالة, وصاروا يرتقبون للهوهم الساعات, وتتزاحم على حبال الشيطان وعصيه منهم الجماعات.
وكل ذلك حرام ممنوع, الإنفاق فيه إنفاق في غير مشروع.
فأنشدكم الله عباد الله هل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة عمه سيد الشهداء موسما, وهل فعل سيد هذه الأمة أبو بكر لسيد الإرسال, صلوات الله عليه وعلى جميع الأصحاب والآل موسما؟ وهل فعل عمر لأبي بكر موسما؟ وهل تصدى لذلك أحد من التابعين رضي الله عنهم أجمعين.
..وكأني بكم تقولون في نحو المواسم المذكورة, وزخرفة أضرحة الصالحين وغير ذلك من أنواع الابتداع, حسبنا الاقتداء والاتباع, “إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ..” الآية.
وهذه المقالة قالها الجاحدون, هيهات هيهات لما توعدون, وقد رد الله مقالهم, ووبخهم وما أقالهم.
فالعاقل من اقتدى بآبائه المهتدين, وأهل الصلاح والدين, (خير القرون: الحديث)، وبالضرورة إنه لن يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها, فقد نص رسول الله صلى عليه وسلم, وعقد الدين قد سجل, ووعد الله بإكماله قد عجل، “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ..” الآية.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الجادة , فلا تميلوا بالناس يمينا ولا شمالا”.
فليس في دين الله, ولا فيما شرع نبي الله, أن يتقرب لله بغناء وشطح, والذكر الذي أمر الله به, وحث عليه ومدح الذاكرين به, هو على الوجه الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم, ولم يكن على طريق الجمع ورفع الأصوات على لسان واحد, فهذه سنة السلف وطريقة صالحي الخلف, فمن قال بغير طريقهم فلا يستمع, ومن سلك غير سبيلهم فلا يتبع, “وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ..” الآية “قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ..”َ الآية.
فما لكم يا عباد الله ولهذه البدع أأمنا من مكر الله, أتلبيسا على عباد الله, أمنابذة لمن النواصي في يديه, أم غرورا بمن الرجوع بعد إليه.
فتوبوا واعتبروا وغيروا المناكر واستغفروا, فقد أخذ الله بذنب المترفين من دونهم, وعاقب الجمهور لما أغضوا عن المنكر عيونهم, وساءت بالغفلة عن الله عقبى الجميع ما بين العاصي والمداهن المطيع..”اهـ. (جزء من نص المرسوم الذي أصدره المولى سليمان لإبطال المواسم، كما ذكره أبو القاسم الزياني في الترجمانة الكبرى 466 فما بعد)
فكيف إذا حضر هذا السلطان وذاك العالم إلى موسم “علي بن حمدوش” أوغيره ورى ما يروج فيها من مخالفات وضلالات وانحلالات، فيا ترى ماذا سيكون موقفهما؟!