المحبة الصادقة للنبي صلى الله عليه وسلم

محبة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة، ويجب تقديمها على النفس والوالد والولد؛ لقول الله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) رواه مسلم.

قال ابن بطال رحمه الله: “معناه: أن من استكمل الإيمان علم أن حق النبي -صلى الله عليه وسلم- آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين، لأن به -صلى الله عليه وسلم- استنقذنا من النار، وهدينا من الضلال”.
وقال القاضي عياض رحمه الله: “ومن محبته -صلى الله عليه وسلم- نصرة سنته، والذب عن شريعته، وتمني حضور حياته، فيبذل ماله ونفسه دونه. وإذا تبين أن حقيقة الإيمان لا يتم إلا بذلك، ولا يصح الإيمان إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومنزلته على كل والد وولد ومحسن ومفضل، ومن لم يعتقد هذا، واعتقد سواه، فليس بمؤمن” ا.هـ من شرح مسلم 2/ 19.
كما أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم سبب لتحصيل لذة الإيمان وحلاوته، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما..) متفق عليه.
درجات محبة النبي صلى الله عليه وسلم
قال ابن رجب رحمه الله: “محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- على درجتين:
إحداهما: فرض، وهي المحبة التي تقتضي قبول ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عند الله، وتلقيه بالمحبة والرضا والتعظيم والتسليم، وعدم طلب الهدى من غير طريقه بالكلية، ثم حسن الاتباع له فيما بلغه عن ربه من تصديقه في كل ما أخبر به، وطاعته فيما أمر به من الواجبات، والانتهاء عما نهى عنه من المحرمات، ونصرة دينه، والجهاد لمن خالفه بحسب القدرة، فهذا القدر لابد منه، ولا يتم الإيمان بدونه.
والدرجة الثانية: فضل، وهي المحبة التي تقتضي حسن التأسي به، وتحقيق الاقتداء بسنته في أخلاقه وآدابه ونوافله وتطوعاته وأكله وشربه ولباسه، وحسن معاشرته لأزواجه، وغير ذلك من آدابه الكاملة وأخلاقه الطاهرة، والاعتناء بمعرفة سيرته وأيامه، واهتزاز اللب عند ذكره، وكثرة الصلاة عليه لما سكن في القلب من محبته وتعظيمه وتوقيره، ومحبة استماع كلامه وإيثاره على كلام غيره من المخلوقين.
– ومن أعظم ذلك: الاقتداء به في زهده في الدنيا والاجتزاء باليسير منها، ورغبته في الآخرة”. اهـ من (استنشاق نسيم الأنس ص34/35).
بواعث محبة النبي صلى الله عليه وسلم
لابد وأن نستثير محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في أنفسنا، وذلك بما يلي:
أولاً: أن نوافق الله تعالى في مراده، لأن الله تعالى قد اتخذه صلى الله عليه وسلم خليلاً.
ثانياً: أن نعلم أن مقتضى الإيمان به صلى الله عليه وسلم- محبته وتوقيره ومحبته على محبة كل أحد، ونصرته بكل مستطاع.
قال الله تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف:157).
ثالثاً: التعرف على خصائصه ومميزاته التي ميزه الله بها، وهي كثيرة عظيمة شريفة تجدها في كتب المناقب من دواوين السنة.
رابعاً: التفكر في جهاده صلى الله عليه وسلم حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه تعالى، وكذلك التفكر في رحمته وشفقته وحرصه على هداية قومه والأمثلة على ذلك كثيرة من سيرته صلى الله عليه وسلم.
وكذلك التفكر في هذا الخير الذي نحن فيه من الهداية والإيمان، فقد هدانا الله به، وأخرجنا الله به من الظلمات إلى النور، فهو أول المسلمين، وأول المؤمنين، وأول الداعين إلى الله تعالى.
خامساً: كثرة الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب:56).
حبّ الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم
لقد عبَّر عليٌّ رضي الله عنه عن محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم أصدق تعبير بقوله: “كان أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأولادنا وأهلينا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ”.
وانظر إلى الرجل الذي لا نعرفه ولكن الله يعرفه، الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك أحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك، فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى نزل جبريل بهذه الآية: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (رواه الطبراني بسند حسن).
وكذلك الرجل الذي سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- متى الساعة؟ قال: (إنها لآتية، فما أعددت لها؟ قال: لم أعد لها كثير صلاة ولا صيام غير أني أحب الله ورسوله. فقال صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب. قال أنس رضي الله عنه: فما فرح الصحابة بشيء فرحهم بهذا. قال أنس: وأنا أحب الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر) (رواه الترمذي وصححه الألباني).
ويقول عمرو بن العاص رضي الله عنه: (ما كان أحد أحب إلي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أجلَّ في عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه) رواه مسلم.
بل وصل الأمر ببعضهم أن يحب الطعام الذي كان صلى الله عليه وسلم يحبه، ففي الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال في حديث الخياط الذي دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لطعام صنعه، وفيه: (فرأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء -القـَرْع- من حوالي الصحفة. فلم أزل أحب الدباء من يومئذ) متفق عليه.
قال النووي: “يستحب أكل الدباء، وكذلك كل شيء كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحبه، وأن يحرص على تحصيل ذلك” شرح مسلم 13/224.
جعلنا الله -تعالى- ممن يقومون بواجبات وحقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي يُرضي الله تعالى عنا. آمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *