إن من أهم جوانب منهج السلف الصالح في تنشئة الأطفال وتربية الأجيال العناية بتوجيههم إلى عبادة الله تعالى لأنها الغاية من الإيجاد والهدف من الخلق؛ كما قال سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ ” [الذاريات: 56[.
فتحقيق العبودية لله تعالى هو أساس سعادة البشرية كما قال ابن القيم -رحمه الله-:”وكان شيخ الإسلام ابن تيمية -رضي الله عنه- يقول من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية””(مدراج السالكين 1/464)
فلابد من تعويد الأطفال على صنوف العبادات وتنشئتهم عليها منذ نعومة أظافرهم إذ أن الطفل ينشأ على ما عود عليه في الصغر كما قال الشاعر:
وينشَأُ ناشـئُ الفتيانِ منـا على ما كان عـوَّدَه أبوه
وما دان الفتى بِحِجىً ولكنْ يُعلّمـهُ التـديـّنَ أقربوه
قال ابن بطال-رحمه الله-: “أجمع العلماء أنه لا يلزم العبادة والفرائض إلا عند البلوغ ولكن أكثر العلماء استحسنوا تدريب الصبيان على العبادات رجاء البركة وأن من فعل ذلك منهم مأجور ولأنهم باعتيادهم عليها تسهل عليهم إذا لزمهم”. (شرح صحيح البخاري 4/464)
ومن الخطأ الفادح في التربية إهمال الطفل في سنه المبكرة ثم إلزامه بعد البلوغ فيعسر انقياده للأوامر ويصعب رده عن الزواجر كما قال الشاعر:
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا يلين إذا قومته الخشب
قد ينفع الأدب الأطفال في صغر وليس ينفع عند الشيبة الأدب
وهذا الإهمال من طرف الآباء هو سبب انحراف فئة عريضة من الأطفال والشباب كما قال ابن القيم -رحمه الله- : “فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى: فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءَهم كبارا”) . تحفة المودود ص:80).
فالمربي الناجح هو الذي يؤسس الطفل على دعائم التعبد لله تعالى ويعلق قلبه بربه ليضمن عدم تعثره في مستنقع الانحراف في الشبهات أو الزيغ والضلال في أوحال الشبهات ممتثلا بذلك أمر رب العالمين ومقتديا بسنة النبي الأمين ومقتفيا لآثار السلف الصالحين.
كما قال تعالى لنبيه ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132[.
قال القرطبي-رحمه الله-: “أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة ويمتثلها معهم، ويصطبر عليها ويلازمها، وهذا خطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ويدخل في عمومه جميع أمته؛ وأهل بيته على التخصيص”. (الجامع لأحكام القران للقرطبي ج14_ص164)
ومما ذكره الله تعالى من توجيهات لقمان الحكيم لولده -بعد أمره بإخلاص التوحيد- قوله: “يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ” [لقمان 17[.
قال ابن عاشور-رحمه الله-: “انتقل من تعليمه أصول العقيدة إلى تعليمه أصول الأعمال الصالحة فابتدأها بإقامة الصلاة، والصلاة التوجه إلى الله بالخضوع والتسبيح والدعاء في أوقات معينة في الشريعة التي يدين بها لقمان، والصلاة عماد الأعمال لاشتمالها على الاعتراف بطاعة الله وطلب الاهتداء للعمل الصالح” (التحرير والتنوير 21/164).
ومن النصوص الدالة على ضرورة إلزام الأبوين للأبناء بأداء الصلوات حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع” صحيح سنن أبي داوود.
ومن الأدلة الموجهة إلى تعويد الأطفال على الصيام حديث الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ -رضي الله عنها- قالت: “أَرْسَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُم”ْ). قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ”.رواه البخاري 1960 ومسلم 1136.
قال ابن حجر-رحمه الله-: “واستحب جماعة من السلف منهم ابن سيرين والزهري وقال به الشافعي أنهم يؤمرون به للتمرين عليه إذا أطاقوه” (فتح الباري ج5_ص3).
وكذلك اصطحابهم إلى أداء شعيرة الحج فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقي ركباً بالروحاء، فقال: “من القوم” قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ قال: “رسول الله”، فرفعت إليه امرأةٌ صبياً فقالت: ألهذا حجٌ؟ قال: “نعم ولك أجرٌ” رواه مسلم:262.
فالتربية التعبدية أصل مهم في تكوين شخصية الطفل المسلم لا ينبغي الغفلة عنها أو إهمالها بل ينبغي اتخاذ كل السبل والأساليب من القدوة الحسنة والترغيب والترهيب والتحفيز والتشجيع والتنويه والتنبيه والتذكير لترسيخها وتثبيتها في نفوسهم.