إعداد بني التراب لإعداد التراب الدكتور عبد الغني بقاس

رغم اختلاف مفهوم إعداد التراب باختلاف الحضارات؛ كل حسب تصوره، إلا أنه يتطلب استعدادا ماديا وآخر معنويا. “وإعداد الشيء واعتداده: إحضاره والاستعداد للأمر: التهيؤ له” (1). لذلك ورد في مشروع الميثاق الوطني لإعداد التراب “ولهذا فإن إعداد التراب، في أفق التنمية المستديمة، لابد أن يرتكز على سن إطار قانوني متكامل وقابل للتنفيذ”(2) . لكن؛ ماهو الإطار التربوي الذي يجب أن تُحل فيه هذه الإشكالية؟ أهو الإطار التربوي الغربي أم الشرقي؟ نعم؛ إن الإطار التربوي الغربي استطاع أن يحقق نتائج مهمة على مستوى التربية المادية للفرد والجماعة. لكن؛ هل يمكن تطبيقه على مجتمعنا ؟ ومهما اختلفت الآراء حول هذه المسألة، يبقى من المسلم به أن الرأي الصائب هو الذي يأخذ بعين الإعتبار خصوصيات المجال المغربي “وهكذا أصبحت كل جماعة مطالبة بأن تنظم نفسها وتبتكر حلولا خاصة بها لمواجهة التحولات، وبأن تعمل على الرفع من تنافسية مجالها، وتنتج شروط تنميتها المستديمة”.(3)
إن الإطار المنهجي الذي يجب التجاوب من خلاله مع المغربي المسلم، هو تذكيره بقيمه الدينية، إذ الواقع يؤكد أن كثيرا من المغاربة يرتكبون مخالفات دينية وهم لايعلمون أنها محرمة. وبذلك يمكن تكوين مواطن متدين فعال في إطار قناعته الدينية، التي تمثل ركيزة أساسية لإنجاح كل عملية من عمليات إعداد التراب.
نعم إن حضارة الغرب قبل تطبيقاتها الحالية في إعداد التراب؛ عاشت ما عرف في تاريخها بالنهضة الأوربية، والتي لم تهتم بالجوانب الإقتصادية؛ بقدر ما اهتمت بالجوانب الفكرية، في إطار ماعرف ب”الحركة الإنسية”. ولعل الرسالة الملكية الموجهة إلى الحوار الوطني حول إعداد التراب، قد أشارت إلى هذه الحقيقة، ومما ورد فيها: “إننا ننتظر من السياسة الجديدة لإعداد التراب الوطني، أن تتجه نحو تصحيح الإختلالات الكبرى، الناتجة عن تراكمات التاريخ وعوامل الجغرافية والإقتصاد، التي طبعت المجال الوطني كملك مشترك للأمة. وختمت الرسالة بقول الله تعالى:(إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا)” .(4)
إن نجاح إعداد التراب رهين بإحياء مبدأين تربويين هما الخوف والرجاء:
– الخوف من الله إزاء كل فساد.
– رجاء رحمة الله إزاء كل صلاح.
يجب الإعتراف قبل كل شيء أن التنمية الشمولية، لن تتم باستيراد الآلات أوالبرامج الأجنبية فقط، بقدر ما تستدعي منا جميعا إعادة النظر في تربيتنا، هل نحن مستعدون لاستعمال هذه الآلات ؟ هل نحن مستعدون لتطبيق هذه البرامج كما طبقها مخترعوها ؟
وإذا ورد في منشور لمديرية إعداد التراب الوطني أن “تطور المغرب سيعتمد في جزء كبير منه على الصناعة”(5) . فإني أقترح أن تتأسس على فرع من أهم فروع الصناعة الثقيلة وهو صناعة الإنسان(6) قبل صناعة المواد. ويبقى اقتباس التجارب والعبر من تاريخ الأمم مرغوبا فيه؛ شريطة ألايعني تمام الإنصهار في ثـقافـتها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  ابن منظور : لسان العرب ، 3/284

[2] الحوار الوطني حول إعداد التراب : مرجع سابق ص . 22 .

[3] الحوار الوطني حول إعداد التراب : مرجع سابق  ص . 3 .

[4] الرسالة الملكية إلى الحوار الوطني حول إعداد التراب الوطني يوم 26 يناير 2002  ص 7 .

[5]   مديرية إعداد التراب – 2000 : المجال المغربي واقع الحال ، مساهمة في الحوار الوطني المتعلق بإعداد التراب ، ص 19 .

[6]   إن مفهوم صناعة الإنسان ليس بغريب عن تراثنا ، يقول الله تعالى عن موسى عليه السلام “وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي” طه 38- 39 ويقول عنه أيضا “وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي” طه 41 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *