يقول الحق سبحانه: {ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} سورة آل عمران: 79.
كونوا ربانيين؛ الربانية هي العلامة الكبرى على تحول المجتمع إلى مقام الخيرية الذي تكون به شاهدة على الإنسانية كلها {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} سورة آل عمران: 110.
وحقيقة الربانية هي إيمان وتربية وتزكية، حسب المعادلة:
الإيمان والتربية والتزكية = الربانية
فالمؤمن الحق إذن، أو إن شئت قل المؤمن الرباني هو:
– من وحد الله في طلبه رغبا ورهبا.
– وأخلص التوجه إليه وحده دون سواه.
– والتجأ إليه في الرخاء والشدة.
– وآمن أنه لا ضر ولا نفع إلا من الله.
– وعمل على ذلك بصدق وثبات.
– والتزم التزكية في حياته كلها تربية وتنمية لعناصر الخير والإيمان حتى يتفرغ القلب لله.
– وتحقق بمعية رسول الله عليه الصلاة والسلام، تلقيا عنه وتعلما والتزاما لسنته.
هذه بعض معالم الربانية، وأما منهج تحصيلها فكما أسلفنا فهو تلقي بصائر القرآن على سبيل التخلق الوجداني، والتمثل التربوي لحقائقه الإيمانية، حتى يصير نفسا طبيعيا كما كان رسول الله عليه الصلاة والسلام أحب إلى الصحابة من أنفسهم وأبنائهم وأزواجهم، حب اختيار لا حب طبع؛ قال جل في علاه: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم} سورة آل عمران: 164.
وقال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} سورة الجمعة: 2.
وقصة سيدنا عمر رضي الله عنه خير شاهد على ما نقول «الآن يا عمر»(*)، وتقدير الكلام فإنك لا تصدق في حبي حتى تؤثر رضاي على هواك وإن كان فيه الهلاك.
ولا يمكن أن نجعل من بصائر القرآن بيننا روحا إلا باتخاذ آياته روحا، فعلا وتركا؛ نتنفسها ونعيش بنورها وأنوارها {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} فنكون حينها من المتخلقين بالقرآن المتحققين به في النفس والوجدان {الذين ءاتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته} ولن يكون هذا إلا بالتحقق بمعية رسول الله عليه الصلاة والسلام تعلما وتزكية وتلقيا عنه والتزاما بمنهجه عليه الصلاة والسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-(*) من حديث عبد الله بن هشام أي ابن زهرة بن عثمان التيمي من رهط الصديق، قال: كنا مع النبي عليه الصلاة والسلام وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي؛ فقال له رسول الله عليه الصلاة والسلام: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك… إلى أن قال له عمر: فإنه الآن يا رسول الله لأنت أحب إلي من نفسي؛ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: الآن يا عمر.