محمد بن سعيد المكناسي

 

نشأ ابن سعيد المكناسي نشأة مرضية في حجر والده الذي اعتنى بتربيته، وعند إدراكه سن التمييز أدخله المكتب فحفظ القرءان الكريم، ومنه تعاطى العلم ودروسه في اجتهاده ومثابرة إلى أن أصبح في صف علماء المغرب الذين شاركوا في المعرفة لسانا ودينا.

ففي سنة 1337هـ تصدى للتدريس بعدما نال إجازته من شيوخه تأذن له تعاطيه فلقن علوما جمة، وكثر تلاميذه، وفي سنة 1352 هـ أدرج في سلك النظام القروي بالقسم الابتدائي، وبعد حقبة رشح للتعليم الثانوي من الكلية، وكثر طلبته بالطبع فكم أخذ عنه من تلميذ سواء في طبقاتها الأولية أو الثانوية، إذ كانت له طريقة نفاعة في أداء دروسه النحوية والصرفية على الأخص، يؤديها في حال وإخلاص راكبا متن السبر والتقسيم حيث يعرض بين يدين الطالب أمثلة كثيرة في الموضوع، وبعد تقريرها وتحليلها في نظام أخاذ، يضعها تحت قاعدتها الخاصة حتى لتجد تلاميذه يتصورون دروسهم لأول تعبير دون أن يلحقهم تعب ويصرفهم عن المواصلة، بل كانوا في حلقاته العلمية أمثلة حية للنشاط والانشراح مقبلين عليه بكل ما لديهم من اندفاع وولوع، وتلك منقبة للمترجم المكناسي كان يتوفر عليها في تلقينه حمد أثرها كل من مر في مدرسته.

كان الأستاذ المكناسي يتعاطى الافتاء لما كان له من يد في الفقه الإسلامي ومعاملاته، شأن الطالب بفاس العلمية لا تلفيه بها إلا عدلا أو مدرسا أو مفتيا وقد يجمع الكل في واحد، وأحيانا يتعاطى الطالب التجارة وهو في هذا الأثناء يتصدى للشهادة، وتلك حيوية غريبة تغمر طلبة العاصمة العلمية قل أن يشاركها غيرها من بقية العواصم والمدن.

في الفقيه المكناسي شذوذ في الطبع، ووقوف في الرأي مع الميل إلى الانفراد والوحدة، حالات كونت منه الرجل الذي لا يقبل من تلاميذه بحتا أو معارضة، ويا ويل من يظهر في حلقاته الدراسية بهذا المظهر الذي يعده كغيره خروجا عن حدود الأدب واللياقة، فتجده يثور لذلك ما وقع ككل من كان على شاكلته في إبراق وإرعاد، والمؤلف ضد الفكرة على طول الخط.

درس رحمه الله على عدة شيوخ أجلة بمكناس كالشريف محمد بن إدريس الإدريسي، ومبارك الهلالي، ومحمد العرائشي، وبعد ما أحرز على مسكة وافرة من العلم توجه إلى فاس سنة 1332 هـ فأخذ عن مشاهير مدرسيها بالكلية القروية كأحمد بن الخياط الزكاري، والعلامة عبد الرحمن بن القرشي الإمامي، وأحمد بن الجيلالي الأمغاري، ومحمد بن العربي العلوي، ومولاي عبد الله الفضيلي وغيرهم، ممن كانوا يزاولون دروسا عالية حديثية وفقهية، وأصولية، وبيانية.

في حوادث الاستقلال شهر يناير 1944م مع الإضراب العام، انبرى المترجم المكناسي كمرشد فجعل يأمر الناس باستيناف أعمالهم، وفتح دكاكينهم، والعود إلى حركاتهم، في هذا الظرف العصيب لم يسع الشباب المتنور إلا أن انثال عليه بالسب والثلب والرمي بالتزلف والخيانة، وفقد في أسرع من لمحة ما كان يتمتع به من سمعة واعتبار في الوسط الثقافي بفاس، وسرعان ما ضاقت به فاس برحابها فقام ساعيا بالحاح في الانتقال من فاس فنقل إلى الثانوية اليوسفية بالرباط حدا للتيار الذي كاد يجرفه.

توظف أولا مدرسا بكلية القرويين حيث قضى في التدريس بها شطرا مهما من حياته، ومنه انتقل إلى التعليم الحكومي بالمدرسة الثانوية بالرباط، ثم رشح للتوظيف في السلك المخزني بالاستئناف الشرعي، وفي آخر حياته اختاره محمد الخامس لتلقين دروس دينية داخل القصر لبعض الشريفات والسيدات.

كان يطمح إلى خطة القضاء ويسعى إليها بوسائل أخفقت إلى أن أتاه حكم القضاء فجأة، فلبى داعي ربه صباح يوم الثلاثاء شهر ذي القعدة عام 1368 هـ الموافق ل13 شتنبر سنة 1949م بالرباط وبه دفن، وكانت ولادته بمكناس عام 1310هـ.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *