على إيقاع التمرد تأبى النفس أن تنصاع لتيار الإسفاف الذي باتت تعيشه مؤسساتنا التعليمية، دروس تتلى صباح مساء لا تكاد نُبصر تجلياتها في نفوس الطلاب إلا لمامًا، وكأنك تسقي أرضا مواتًا، أو “تنفخ في قربة مقطوعة” كما يقال.
لا أدري لمَ نفضت الكثير من المؤسسات التعليمية يدها عن ضبط هندام التلاميذ وتهذيب مظهرهم، وانساقت خلف تيارات الحرية الماجنة حتى غدا التلميذ ربّ المؤسسة يصول ويجول بها دون رادع ولا وازع.
مشاهد التلميذات وهنا يلِجن المؤسسات التعليمية وكأنهن عارضات أزياء يُشعرني بالقرف الشديد، ويدمّر ما بقي من خلايا الصبر بأعصابي، تَراهنّ شديدات الحرص على تلميع وجوههن، وتنسيق شعرهن بطريقة توحي أنهن قادمات لغرض آخر غير الدراسة. أما الوزرة التي كانت تضفي عليهن احتراما ورونقا وجاذبية، فإنها تكاد تختفي في ظل التقلص الشديد الذي يخضع له طولها بتوالي السنين، يصدق عليها قول الشاعر:
كأن الثوب ظــــل في صبــــاح***يزيد تقلصا حينـــــا فحينـــــا
وحالُ ذكور الأمة لا يكاد يختلف عن حال نسائها، فالصبي أضحى مشغولا بتصفيف شعيرات رأسه بأشكال شيطانية تثير الاشمئزاز عند كل ذي فطرة سليمة. بل إن بعضهم غدت تلك القصات جزءا من شخصيته التي لا يتصور حياته ورجولته بدونها!!
والغريب موضة الملابس الممزقة التي غزت الفضاءات التعليمية والتي يشتريها الآباء لأبنائهم تحت ذريعة: دعه يلبس.. دعه يعش سنّه!!
الكثير من الأساتذة يحاولون التصدي لهذه الانحرافات السلوكية وتوجيه التلاميذ بالترغيب أحيانا والترهيب أحيانا أخرى، يقينا منهم أن تربية هؤلاء من أولويات رسالتهم، والبعض الآخر ما عاد يكترث للأمر بعد أن استسلم أمام هول الفساد الذي بات يسري بين التلاميذ.
على من تُلقى اللائمة؟
على الأسرة التي تسمح بخروج فلذات أكبادها من البيت بتلك الصور اللاأخلاقية؟
أم على إدارة المؤسسات التعليمية التي تفتقد الصرامة في إلزام طلابها بنظامها الداخلي؟
أم على الأساتذة الذين صار همهم تلقين الدرس والباقي (الما والشطابة حتى لقاع لبحر)؟
أم على الإعلام الذي جعل من بعض الشخصيات المستهترة العارية من كل القيم الأخلاقية قدوات ومثلا عليا؟
إنّ اللباسُ ليس مجرد قطعة قماش يرتديها المرءُ، بل هو حكايةٌ ناطقةٌ تروي لمن أبصرها مقومات شخصيةِ مُرتديه، واختيارات المرءِ قطعة من شخصْه وفكره. لذا فلباس تلامذتنا يحكي ذاك الفراغ الروحي العظيم الذي يعيشون تحت وطأته بلا مبالاة واضحة، فراغ تولى المجتمع بإعلامه الخبيث ملأه، وتقبّلت الأسر بجهلها وضعفها هذا التغيير بدعوى مجاراة العصر، أو بادعائها أنها مجرد شكليات لا تؤثر في جوهر التلميذ..!!
فيا أيها الآباء.. أيتها الأمهات.. حاسبوا أبناءكم قبل أن تحاسبوا، وجاهدوا في وقف هذا الزحف الذي يكاد يدمّر ما بقي في هذا النشء.. راقبوا أبناءكم وبناتكم حين خروجهم للمدرسة، ألبسوهم حلّة طلاب العلم وتذكروا وقوفكم بين يدي الله تعالى حين يسألكم عن فلذات أكبادكم..
ويا أطر مدارسنا التعليمية -الإدارية والتربوية- بعضٌ من الصرامة في تسيير مؤسساتكم، فأنتم أربابها وأنتم من تضعون القوانين التربوية التي تبني الإنسان المستقيم شكلا ومضمونا، فإن أعجركم ردعُ هذا التلميذ أو تلك التلميذة فأنتم عن سواهما أعجز وأعجز!