كانت الإيديولوجيا النسوية تسعى إلى محاربة عنف المجتمع الذكوري، ولكنها عملت على صناعة رجال شديدي العنف تجاه المرأة، بشكل ليس له نظير في التاريخ: انتشار التحرش الجنسي في أماكن العمل ووسائل النقل وفي كل مكان، تناسل جرائم الاغتصاب في صورها الأكثر همجية ودناءة، النمو المخيف للإباحية العنيفة في حق المرأة، الانتشار المرضي للدعارة المقننة والتي هي أعظم عنف جسدي يمكن أن يمارس على المرأة، تزايد معدلات العنف الزوجي بنسبة طردية مع تزايد غياب الزوج عن الأسرة وتفريطه في مسؤولياته الأسرية…
بسبب النسوية المتصالحة مع السوق، صار الجسد المؤنث معروضًا في كل مكان، مثل أية مادة استهلاكية أخرى. وخلافًا للمتوقع، فإن شدة الظهور لم تحل مشكلات الكبت الجنسي.
بل زادت من فوران الرغبة الجنسية إلى درجة السعار المتفلت من كل قيد.
وأنتج هذا الفوران الجنسي في أذهان الرجال احتقارًا للمرأة، واختزالاً لها في بعدها الجسدي. ويبدأ ذلك منذ المراهقة، في الأسر العصرية التي تغيب فيها تربية الأب، بسبب غيابه الفعلي أو الرمزي.
ينشأ هؤلاء المراهقون الذكور دون سند رجالي يكون مرجعا لهم، فيلتمسون القدوة في غير الأب المعدوم، والغالب على هذه القدوات أنها لا تكون صالحة من الناحية الأخلاقية، ولا قادرة على تلقين القيم الحسنة التي تؤهل هؤلاء الشباب للولوج إلى عالم الراشدين؛ بل الغالب أنهم إما رجال مؤنثون في أقوالهم وأفعالهم، وإما رجال سلطويون يتبنون الفحش في الكلام والقسوة في الأفعال، وعلاقتهم مع النساء مرضية شاذة.
لقد مضى الزمن الذي كان المراهق يقتدي فيه بالأب أو المعلم أو الأديب أو حتى الفنان المنضبط شيئًا ما. صار المراهق اليوم يقتدي بالمؤثر الاجتماعي التافه، أو نجم تلفزة الواقع المخنث أو رجل العصابات المتحكم في الحي، أو تاجر المخدرات الذي تلمعه الدراما، أو القاتل المتسلسل الذي يتابع الإعلام محاكمته ويصف تفاصيل جرائمه…ثم إن المراهقين يعيشون في مجتمعات يطغى عليها التأنيث، فتطلب منهم إبراز جانبهم المؤنث، وكبت التوجه المذكر فيهم ما أمكن.
ولذلك فإن بعضهم يجاهر بمثليته الجنسية ليصل إلى أعلى هرم التأنيث الممكن في حقه؛ وآخرون يطلبون تغيير جنسهم عن طريق الهرمونات والعمليات الجراحية، التي صارت تقليعة فاشية بين المراهقين في الغرب، ويؤيدها السوق الباحث عن مجال ربحي جديد. ومن لم يستطع هذا ولا ذاك، بقي مضمرا نوعا من الحقد على الأنثى، والسعي إلى إيذائها لإعادة استلام السلطة التي انتزعتها منه.
من جهة أخرى، فإن سيطرة الأم في الأسرة يسبب للمراهقين الذكور اختلالات نفسية كبرى. “إذا كانت الأم مسيطرة والأب ممحوا، فإن الولد يحاول -في رد فعل على ذلك- أن يعوض بشكل زائد، ليواجه أمه، ويدافع عن أبيه، ويحمي هويته المهددة. وهذا الذي يعطينا ذكوريين”. بعبارة أخرى: فإن المراهق لا يجد وسيلة للتخلص من سيطرة المرأة سوى نبذها بعنف، ونبذ جميع قيم الأنوثة معها، وينتج ذلك ذكورية جديدة أشد خطورة من الذكورية التقليدية التي تسعى النسوية لطمسها بكل الوسائل. (عن كتاب جدل النسوية والذكورية للدكتور البشير عصام المراكشي).