قراءة نقدية لرؤية الباحث (أبو اللوز) حول الحركات السلفية في المغرب (الحلقة الرابعة) السلفية والسياسة ج 2 حماد القباج

ختمنا الحلقة الماضية بكلمة توجيهية للبشير الإبراهيمي، وهي توجيه حكيم من عالم خبير يهدف إلى تحصين الشباب من الوقوع في فخ السياسة الحربائية.
وإذا كان الكثيرون قد استفادوا من ذلك التوجيه وأمثاله، فإن آخرين اغتروا بالمسلك السياسي، فضلوا طريق الإصلاح، ولم يغيروا فاسدا بل زادوا الطين بلة:
4- لقد كانت التجربة الجزائرية كافية لإدراك صواب الموقف السلفي؛ وذلك أن الصحوة الإسلامية التي عرفتها الجزائر بعد خروج المستعمر الغاشم إنما كانت بسبب جهود العلماء الحكماء الذين أدركوا أن بث العلم والفقه في الدين هو سبيل الإصلاح، وأن السياسة الحربائية لا تعدو كونها لعبة خاضعة لقبضة المستعمر، يحركها لمصالحه وبما يخدم قناعاته؛ فكان خطهم الدعوي ما لخصه العلامة عبد الحميد بن باديس بقوله: “إننا اخترنا الخطة الدينية على غيرها، عن علم وبصيرة وتمسكا بما هو مناسب لفطرتنا وتربيتنا من النصح والإرشاد، وبث الخير والثبات على وجه واحد والسير في خط مستقيم، وما كنا لنجد هذا كله إلا فيما تفرغنا له من خدمة العلم والدين، وفي خدمتهما أعظم خدمة، وأنفعها للإنسانية عامة.
ولو أردنا أن ندخل الميدان السياسي لدخلناه جهرا، ولضربنا فيه المثل بما عرف عنا من ثباتنا وتضحياتنا، ولقُدنا الأمة كلها للمطالبة بحقوقها، ولكان أسهل شيء علينا أن نسير بها على ما نرسمه لها، وأن نبلغ من نفوسها إلى أقصى غايات التأثير عليها، فإن مما نعلمه – ولا يخفى على غيرنا – أن القائد الذي يقول للأمة: (إنك مظلومة في حقوقك، وإنني أريد إيصالك إليها)، يجد منها ما لا يجد من يقول لها: (إنك ضالة عن أصول دينك، وإنني أريد هدايتك)، فذلك تلبيه كلها، وهذا يقاومه معظمها أو شطرها. وهذا كله نعلمه، ولكننا اخترنا ما اخترنا لما ذكرنا وبيَّنا، وإننا فيما اخترناه بإذن الله لماضون، وعليه متوكلون”اهـ
وقال العلامة البشير الإبراهيمي: “جمعية العلماء؛ جمعية علمية دينية تهذيبية؛ فهي بالصفة الأولى تعلم وتدعو إلى العلم وترغب فيه وتعمل على تمكينه في النفوس بوسائل علنية واضحة لا تتستر، وهي بالصفة الثانية تعلم الدين والعربية؛ لأنهما شيئان متلازمان، وتدعو إليهما وترغب فيهما، وتنحو في الدين منحاها الخصوصي؛ وهو الرجوع به إلى نقاوته الأولى وسماحته في عقائده وعباداته؛ لأن هذا هو معنى الإصلاح الذي أسست لأجله ووقفت نفسها عليه، وهي تعمل في هذه الجهة أيضا بوسائل علانية ظاهرة، وبمقتضى الصفة الثالثة تدعو إلى مكارم الأخلاق …”إلـخ .
وفي مقابل هذا الموقف السلفي الحكيم، نستحضر هنا موقف دعاة الجبهة الإسلامية للإنقاد المحسوبين على السلفية خطأ وجهلا؛ فقد جزموا بأن خوض الغمار السياسي مسلك إصلاحي صحيح، فانخرطوا فيه غير آبهين بتوجيه العلماء من أمثال العلامة الألباني الذي ناقشهم كثيرا وبين لهم خطأ ذلك المسلك؛ وأن العدو الخارجي والداخلي لن يسمح بإدماجهم في لعبته، لأنه لا يمكن أن يغامر بمشروعه الهادف إلى إقصاء الإسلام من الحكم وتوجيه الحياة العامة.
وكذلك كان؛ فقد صرحت فرنسا بشكل علني رسمي على لسان الرئيس “ميترون” بأنها لا تقبل نتائج الانتخابات التي أعطت فوزا كاسحا للجبهة، هذا النجاح أربك الرئيس الشاذلي بن جديد وأوقعه في حيرة عظيمة، لأنه كان يظهر الديمقراطية وأنه مع اختيار الشعب أيا كان، فأملت عليه فرنسا ما يفعل؛ وهو أن يقدم استقالته ليحل مكانه بوضياف من أجل تطبيق الأجندة الفرنسية، وعين وزراء للتعاون معه على تطبيق تلك الأجندة، وقد كانوا يتظاهرون برفض التدخل الفرنسي في السياسة الجزائرية!
وقد لخص موقفهم الصريح وزير الداخلية بقوله: (كيف نسمح للإسلاميين أن يأخذوا بزمام السلطة -وإن كانوا قد نجحوا مرتين- ونحن نعلم أنهم سيجهضون المشروع الديمقراطي؟)!
ثم دخلت الجزائر في دوامة من العنف افتتحت باغتيال الرئيس بوضياف ، فتولى الجيش زمام الحكم، وتورط -هو بدوره- في عمليات قتل لا تقل فظاعة عن تلك التي اقترفها الخوارج وأشباههم.
وقد عهد الغرب بملف الجبهة إلى المؤسسة العسكرية واشترط على الرئيس بوتفليقة ألا يتدخل فيه .. إلـخ. إلـخ.
فلا ديمقراطية مع الإسلاميين!!!
.. إذا اتضحت لنا رؤية السلفيين لممارسة العمل السياسي في قالبه المعروف اليوم، وأنها تنبني على موقف شرعي منطقي من (الحرص على تغييب الشريعة الإسلامية) و(توظيف السياسة للهيمنة أو تحقيق المصلحة الشخصية )؛ فلا بد -تتميما لهذا التوضيح- أن أبين بأن العلماء يراعون الحيز الاجتهادي في هذا المجال، ويُعملون قواعد المصلحة والمفسدة؛ كارتكاب أخف المفسدتين ومراعاة اختلاف الأحوال ونحو ذلك؛ وهنا يأتي المسلك الشرعي: تغير الفتوى باختلاف الأحوال وفق الضوابط الشرعية التي تحيط بهذا المسلك .
وهذا الاجتهاد يراعي واقع بعض الدول التي تكون الممارسة السياسية فيها أقرب إلى العدل وأبعد من الفساد والتحكم:
وهكذا فقد اجتهد العلماء في مسألة خوض الغمار السياسي في ظروف معينة، ناصبين ميزان المصلحة والمفسدة، مراعين اختلاف أحوال التطبيقات السياسية من بلد لآخر، ومن بيئة تكون السياسة فيها مجرد تطبيق لإملاءات معادية للدين، وبيئة لا زال للدين فيها نوع سلطان.
وهذا مجال حساس وطريق ملغوم لا يحسن السير فيه إلا فحول العلماء الأتقياء، الذين تضلعوا من فقه القرآن والسنة، واستكملوا شروط الاجتهادي الشرعي.
وما قيل عن المشاركة في العمل السياسي بالترشح والممارسة، يقال في المشاركة فيه بالانتخابات والتصويت، لأن نوعي المشاركة فرعان لأصل واحد (السياسة بتطبيقاتها المعاصرة).
ويبقى هذا النوع أيضا مسرحا لاجتهاد الربانيين؛ والفتوى فيه تقوم على مراعاة الأحكام الشرعية وقواعد الشريعة والموازنة بين المصالح والمفاسد؛ ومن ذلك قول العلامة الألباني: “لا أرى ما يمنع الشعب المسلم إذا كان في المرشحين من يعادي الإسلام، وفيهم مرشحون إسلاميون من أحزاب مختلفة المناهج، فننصح – والحالة هذه – كل مسلم أن ينتخب من الإسلاميين فقط ومن هو أقرب إلى المنهج العلمي الصحيح الذي تقدم بيانه.
أقول هذا – وإن كنت أعتقد أن هذا الترشيح والانتخاب لا يحقق الهدف المنشود كما تقدم بيانه – من باب تقليل الشر، أو من باب دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى كما يقول الفقهاء…”
قال: “.. ويجوز للنساء الخروج للانتخاب بالشرط المعروف في حقهن وهو أن يتجلببن الجلباب الشرعي، ولا يختلطن بالرجال، هذا أولا.
ثم أن ينتخبن من هو الأقرب إلى النهج العلمي الصحيح من باب دفع المفسدة الكبرى بالصغرى”اهـ .
وبما تقدم يظهر للمنصف كم كان الباحث أبو اللوز مجانبا للصواب حين زعم بأن مجال التحرك السياسي الوحيد عند السلفيين هو النصيحة؟!
وللحديث بقية…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *