مما يعصر القلب، ويدفع الإنسان إلى فتح باب التساؤلات حول العديد من الشعارات والقوانين التي من المفترض أن تعم الجميع ولا يشذ عنها أحد، ما نراه اليوم في بلد نشأنا فيه، ونحن نعد من سكانه الأوائل، من تهميش واضح وجلي لكل امرأة ترتدي النقاب، ولكل مَن مَنَّ الله عليها وهداها لشرعه، فارتضته منهاجا لحياتها، ودستورا تعيش عليه، وتناضل لأجله، فهذه الفئة من النساء ما تلبث أن تصعق بواقع مرير يهمشها ويقصيها وينتزعها مما هي فيه من سكون، ليصدمها بما معناه: (أنتي بهذا الزي قد أصبحتي على هامش حياتنا).
لا لا لا حق لك في التعليم.
لا لا لا حق لك في العمل…
فتصبغ المرأة المنتقبة بألوان التنقيص والازدراء أينما حلت وارتحلت، ابتغاء حاجة من الحاجات المخولة لأي مواطن عادي، بدء بالمستشفيات، ومرورا بالإدارات، وانتهاء بأصغر مؤسسة.
إن هذا الواقع المرير يجعلنا نتساءل: ماذا أجرمت هذه المرأة أو الفتاة التي أحبت أن تتدين وفق نصوص الكتاب والسنة، لترمى بهذه الهمجية والوحشية في سلة المهملات في جميع المجالات، أبسطها الحق في التعليم؟
ومما يعصر القلب أسفا وحزنا هو استسلام بعض النساء لهذا الوضع البئيس، وكأنه قانون قد شرع بدون أن يكتب، اتفق عليه القاصي والداني ممن أشبعت قلوبهم حب الغرب واقتفاء سننه، فإلى متى سيستمر هذا التهميش؛ ومتى ستمتع المرأة المغربية المنتقبة بحقوقها دون حيف أو تمييز أو عنصرية؟
أين من صدعن رؤوسنا بحقوق المرأة والمساواة والمناصفة… أم أن المنتقبة لا تدخل في عداد النساء عند هؤلاء، فلا نكاد نحس للجمعيات الحقوقية التي نصبت نفسها وحصرت عملها للدفاع عن المرأة حركة، ولا نسمع لها ركزا إزاء الانتهاكات الصارخة لحقوق المرأة المنتقبة.
ولا نسمع أيضا صوت الوزارة الوصية على الشأن الديني في هذا البلد، والغيورة جدا على مذهب إمامنا مالك رحمه الله رحمة واسعة، مقابل هذا التضييق الخطير على بعض النساء المغربيات المحجبات حجابا كاملا، وكأنها -وهي تنوء بالعلماء والفقهاء المختصين- لم تسمع يوما بما رواه الإمام مالك في الموطأ عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: «كنا نُخمّر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق»، ولا بما كتب البناني في حاشيته على شرح الزرقاني لمختصر خليل 1/176، ونحوه في حاشية الصاوي على الشرح الصغير 1/289: “..وهل يجب عليها حينئذٍ ستر وجهها؟ وهو الذي لابن مرزوق في اغتنام الفرصة قائلا: إنه مشهور المذهب، ونقل الحطاب أيضًا الوجوب عن القاضي عبد الوهاب..”.
فمن هذا المنبر أدعو أن يرفع الظلم عمن جردت عبوديتها لله تعالى، وحررت نفسها من عبودية الهوى، ومَردَة الإعلام، وأباطرة الاقتصاد؛ الذين يستغلون جسد المرأة ومفاتنها لتسويق وترويج البضائع والسلع، فالمرأة أعظم من أن تحصر في جسد فقط، ومن أن تـُشيَّء وتستغل بدعوى الدفاع عن حقوقها؛ وهي تمنع ويحال بينها وبين أعظم حق من حقوقها وهو امتثال أمر ربها القائل سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.