آيات تفهم على غير وجهها (سورة الأنبياء) إبراهيم الصغير

قوله تعالى: {وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}21.
«مقامع» ليست من القمع الأداة المعروفة وإنما هي جمع مقمعة وهي السوط.
قال البغوي: قوله تعالى: {ولهم مقامع من حديد} سياط من حديد واحدتها: مقمعة، قال الليث: المقمعة شبه الحرز من الحديد، من قولهم: قمعت رأسه، إذا ضربته ضربا عنيفا.
وقال الشنقيطي: المقامع: جمع مِقْمَعَة بكسر الميم الأولى، وفتح الميم الأخيرة، ويقال: مِقْمَعٌ بلا هاء، وهو في اللغة: حَديدة كالمِحْجَن يضرب بها على رأس الفيل: وهي في الآية مرازب عظيمة من حديد تضرب بها خزنة النار رؤوس أهل النار، وقال بعض أهل العلم: المقامع: سياط من نار، ولا شك أن المقامع المذكورة في الآية من الحديد لتصريحه تعالى بذلك.

قوله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}27.
«رجالا» أي: مشاة على أرجلهم من الشوق، وهي جمع راجل لا رجل.
ففي لسان العرب: الرجال: جمع راجل أي ماش، والراجل خلاف الفارس.
وقال أبوزيد والكسائي: يقال رَجِلْتُ، بالكسر، رَجَلًا أي بقيت راجلا.
والعرب تقول في الدعاء على الإنسان: ما له رَجِلَ أي عدم المركوب فبقي راجلا.
قال ابن عطية: ورِجالًا، جمع راجل كتاجر وتجار.
فالرجال في الآية: جمع راجل، وهو الماشي على رجليه.
قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}36.
«وجبت» ليست من الوجوب والواجب من الأحكام.
قال ابن كثير: وقوله: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} قال: ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يعني: سقطت إلى الأرض.
وهو رواية عن ابن عباس، وكذا قال مقاتل بن حيان.
وقال العوفي، عن ابن عباس {فإذا وجبت جنوبها} يعني: نحرت.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: {فإذا وجبت جنوبها} يعني: ماتت.
قال الطبري: وقوله: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا) يقول: فإذا سقطت فوقعت جنوبها إلى الأرض بعد النحر.

قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}40.
«صوامع، بيع، صلوات، ومساجد» تشكل في الفهم.
قال ابن الجوزي: فأما الصوامع، ففيها قولان: أحدهما: أنها صوامع الرهبان، قاله ابن عباس، وأبو العالية، ومجاهد، وابن زيد. والثاني: أنها صوامع الصابئين، قاله قتادة، وابن قتيبة.
فأما البيع، فهي جمع بيعة، وهي بيع النصارى.
وفي المراد بالصلوات قولان: أحدهما: مواضع الصلوات. ثم فيها قولان: أحدهما: أنها كنائس اليهود، قاله قتادة، والضحاك، وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، قال: قوله تعالى: وصلوات هي كنائس اليهود، وهي بالعبرانية «صلوثا» . والثاني: أنها مساجد الصابئين، قاله أبوالعالية. والقول الثاني: أنها الصلوات حقيقة، والمعنى: لولا دفع الله عن المسلمين بالمجاهدين لانقطعت الصلوات في المساجد، قاله ابن زيد.
فأما المساجد، فقال ابن عباس: هي مساجد المسلمين. وقال الزجاج: معنى الآية: لولا دفع بعض الناس ببعض لهدمت في زمان موسى الكنائس، وفي زمان عيسى الصوامع والبيع، وفي زمان محمد المساجد.

قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}52.
كلمة «تَمَنَّى» تشكل في الفهم، حيث يعتقد أنها من التمني الذي هو طلب حصول شيء بعيد الوقوع، بينما هي بمعنى تلا وقرأ على قول أكثر المفسرين.
قال القرطبي: قوله تعالى: (تمنى) أي قرأ وتلا. و(ألقى الشيطان في أمنيته) أي قراءته وتلاوته.
منه قول حسان في عثمان بن عفان -رضي الله عنه-:
تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلِهِ — وَآخِرَهَا لَاقَى حِمَامَ الْمَقَادِرِ
قال البغوي وأكثر المفسرين قالوا: معنى قوله: (تمنى) أي: تلا وقرأ كتاب الله، وألقى الشيطان في أمنيته أي: في تلاوته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *